عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

دخل الكاتب المعروف غرفة مكتبه فى السادسة مساءً كما يفعل كل ليلة. جاءته زوجته بكوب الشاى المعتاد مع قطعة كيك صغيرة مشفوعة بابتسامة رقيقة وأمنيات طيبة بمزيد من التوهج الإبداعى. لثم ظهر يدها وشكرها بقلب ينبض بالحب الصادق العميق رغم أنهما احتفلا بمرور ثلاثين عامًا على زواجهما السبت الماضى. قالت له بحنان قبل أن تغادر الغرفة: دعنا نواصل حديثنا حول فيلم (الزوجة الثانية) عندما تنتهى، فهز رأسه بالموافقة وشيعها بنظرات إعجاب لم تتوقف لحظة منذ تعارفا لأول مرة قبل 31 عامًا على باب سينما مترو. 

بهدوئه المعروف أدار جهاز الكومبيوتر. تجول فى موقع «يوتيوب». شاهد بأسى دماء الأطفال الفلسطينيين مازالت تسيل فى نشرات الأخبار العربية والأجنبية. المذيع الصارم يذكر أعداد الضحايا الأبرياء بجمود لغوى بارد. تفاقم شعوره بالغضب والحزن والعجز. انتقل بعدها سريعًا إلى بعض المشاهد الحديثة التى يضج بها «يوتيوب» حول العدوان والتوسل والاستغاثة والتحليل والسباب والمسلسلات النادرة.

انتابته حيرة شديدة، فهذه أول مرة يجلس فيها أمام (الكيبورد) ليكتب مقاله اليومى وهو لا يعرف عما يكتب بالضبط. تساءل خاطره: هل يغامر بالكتابة عن تاريخ الإجرام البشرى وأشهر القتلة عبر العصور؟ هل يمكنه أن يفعل ذلك دون أن يذكر المذابح التى يتعرض لها أشقاؤنا فى فلسطين، ليس الآن وإنما على مدار 75 عامًا؟ وهل يضمن أن ما يكتبه سينشر كاملا أم أن مسؤول التحرير قد يضطر إلى التدخل بحذف ما يراه زائدًا عن الحد؟ أم سيتلقى اتصالا على هاتفه المحمول يطلبون منه أن يتناول موضوعًا آخر فى مقاله اليومي؟.

نهشه التردد، إذ خشى أن يتعرض مقاله للحذف أو المنع، فقرر أن يبتعد عن عالم السياسة الدموى هذا، وليكتب عن طه حسين بمناسبة مرور 134 عامًا على ميلاده، فارتاح للفكرة، وقال فى نفسه: هل أنجبت مصر رجلاً بعظمة الأستاذ العميد؟ إنه يستحق كل حفاوة وتقدير، لا اليوم فحسب، بل فى كل وقت وحين.

لكن سرعان ما تذكر أنه أصدر ثلاثة كتب عن صاحب (الأيام)، وأنه ملأ الصحف والمجلات المصرية والعربية بعشرات المقالات عن طه حسين، فما الجديد الذى سيضيفه هذه المرة؟ ولاحت منه نظرة مباشرة على مكتبته التى تحتل الجدار المقابل له، فقرر أن يقدم مراجعة لأحد الكتب التى جذبته مؤخرًا حتى يهرب من ورطة الكتابة عن الشأن الجارى الذى قد يعرضه للخطر!.

وبالفعل التقط كتاب (فن اللا مبالاة) للكاتب الأمريكى مارك مانسون، لكن سرعان ما قرر أن يهجر هذه الفكرة، وليتصفح فيسبوك عسى أن يلتقط فكرة أخرى أكثر جاذبية.

تعجب من حجم المعرفة السياسية الشحيحة التى تفوح روائحها من «بوستات» بذيئة ينشرها بعض (المثقفين)، فقرر عدم الاشتباك معهم فى جدال مجانى لن يربح منه أحد، فالكل خاسر إذا غامت الرؤى وضاعت البوصلة.

فجأة... لمعت فى رأسه فكرة وهى أن يكتب مقالاً تحت عنوان (ثنائية الجهل والبذاءة)!