رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

يقول ابن عطاء الله السكندرى «ربما أعطاك الله فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة فى المنع، أصبح المنع عين العطاء», فالنعم الوفيرة قد تكون مصدر شرور وفتن، ابتلاء ونقم, ومنعها خير ونفع، ففى منع النعمة عين العطاء، والرضا بقضاء الأقدار من أرفع درجات اليقين, فأمرنا جميعًا خير، سواء كنّا فى ضيق أو فى يسر.

نجا الله نبيه موسى حينما أراد فرعون قتل كل أطفال المدينة- بأن جعل أمه تلقيه بيدها فى اليم، وحفظه من جبروت فرعون داخل بيت فرعون ذاته، إنها القدرة الإلهية العظيمة.

وفى حياة كل منا أمور من صنع الله لا نعلمها، هيأ لنا أمرًا ونحن لا ندرى أو وفقنا فى شىء دون أن ندرى كيف ذلك, فإذا تدبرناها أيقنا أنها من تمام الصنعة الإلهية.

كعادتها دائما تفاجئنا الكاتبة الصحفية والروائية فكرية أحمد بالغوص فى أعماق قضايا جديدة وشائكة وربما مسكوت عنها، ففى أحدث إصداراتها رواية «متر إلا ربع» الصادرة عن دار النخبة للنشر والطباعة والتوزيع فى 203 صفحات من القطع المتوسط, تأخذنا إلى عالم جديد وغريب يسكنه مجموعة من البشر ليست بالقليلة، ولكنها تعيش على هامش الحياة، لا يشعر بها أحد، ربما لاختلاف تكوينها وتركيبها, فملامح وجوههم غريبة, وحجم أعضائهم دقيقة مما يشكل حرجًا بالغًا لهم وشعورًا بالضآلة يفضلون معه الانزواء بعيدا عن مجتماتهم مما يفاقم مشاكلهم التى لا تنتهى.

وتستعرض الكاتبة عدة نماذج لأصحاب الحالات الخاصة، فهذه هبة الطفلة التى قضت معظم طفولتها حبيسة حجرة صغيرة فى منزل والديها لحبسها عن أنظار الأهل قبل الأغراب, ظنًا منهما أنهما يحميانها من نظرات الشفقة وربما التهمك والسخرية, ولم ينتبها إلى ذكائها الفائق عن أقرانها إلا بعد تأكيدات مدير المدرسة التى مكثت فيها عدة أيام  قبل انتقالها إلى مدرسة عادية، لتلجأ بعد ذلك إلى عالم القراءة هروبًا من واقع حاكمها وألهب حياتها بسياطه, لتواصل حياة النجاح والتفوق بعد ذلك.

وهذا كمال الطفل الذى ولد لعائلة ثرية بمواصفات خاصة أزعجت والديه فكان حرصهما على حصوله على شهادة جامعية لتعويض ما حسباه نقصا ذاتيا وعجزا لديهما فى إنجاب طفل سوى, وعندما تمرد وخرج عن تفاصيل الخطة الموضوعة له بكل بدقة طرده والده من المنزل بعد أن كال له اللعنات ولم تحرك أمه ولا أخوته ساكنا لتستمر حياته ويصل فى النهاية إلى محام ناجح يشهد له الجميع -بالطبع بعد سلسلة من المفارقات- التى لا تخلو من الحبكة الدرامية, ونقل المشاهد للقارئ وكأنه يعيشها ويتفاعل مع شخوصها بل وينحاز لهم ويتعاطف مع قضيتهم العادلة, وربما يذرف قطرات من الدموع عندما يصل المشهد إلى نهايته، يحدث ذلك كله بمنتهى الإنسابية والسلاسة, فلا تشعر بالملل والرتابة، بل دائما تعيش فى حالة شوق وشغف لمتابعة الأحداث المتلاحقة المتسارعة.

وتدخل بنا الكاتبة «عالم الأقزام», لنغوص فى أعماق أصحابه، ونستمع إلى خلجات صدورهم, وآهات نفوسهم، وأنات قلوبهم من نظرة المجتمع الظالمة لهم, ومعاملتهم كأشباح أو مسوخ ينبغى الابتعاد عنها, والتنمر عليها, او استخدامهم كورقة انتخابية كما فعل أحد المرشحين بهم, أو العبث بها, عندما أراد أحد الأطباء تجربة دواء جديد عليهم بزعم مساعدتهم فى الوصول إلى الشكل الإنسانى الطبيعى, وكانت النتيجة موت الكثيرين منهم دون ذنب أو جريرة.

وتستطرد الكاتبة معلقة على هذه الحادثة قائلة: «علينا جميعا أن نخجل من أنفسنا، وأن نحاسبها بلا رحمة أو تهاون، فنحن لم نتعامل معهم كبشر لهم كل الحقوق، بل تعاملنا معهم كنفايات، تنكرنا لهم كمشرعين، ومن بعدنا جاءت جميع السلطات الأخرى, لم تراع فيهم الله, فكان بديهيًا أن يراهم تجار الموت مجرد جرذان للتجارب».

الرواية صرخة فى أذن كل من يهمه الأمر علها تصل إلى الأسماع وتصلح ما أفسده الدهر فى هذه الفئة المقهورة.

 

[email protected]