عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشعر يكتبنى جَمْرا فأتّقدُ. حينما كنت فى الابتدائية، كنت أذهب مع أبى رحمه الله إلى مجلس الخلوتية الصوفى وكان المُنْشِدون ينشدون أشعارًا أعجبتنى لجمالها وحلاوة أصواتهم. انضممتُ إليهم واحدًا من الجوقة أولا ثمّ غدوتُ منشدًا. كان الناس يهيمون على صوت المنشدين وكنت أرقبُ هذا الوجْد الذى يتخللهم وكأن بهم مَسًّا من سحر، عرفتُ أن هذى الحالة «جَذْبة» فازوا بها، وعندما ينشد المنشد:

«سلَبتْ ليلى منى العقلَ/ قلت: يا ليلى ارْحمى القَتْلى

كان النّاس يتحولون إلى طيور بيضاء تهيم فى الفضاء. وكنت أتخيّلهم كائنات تحلّق فى فضاء الله. حفظتُ صغيرًا من المنشدين الكبار ديوان ابن الفارض، و ديوان عبد الرحيم البرعي، وبعض أشعار ابن عربى والحلاّج والشيرازى دون أن أرى دواوينهم. ولأنّه على المنشد أن يغدو ملحنا لهذه القصائد على إيقاع الذّكر، لم يكن الأمر سهلا، لكن ألفيتُ نفسى أحفظ وإن نسيت أكملُ من عندى حتّى لا يختل الإيقاع. فأنا مدين لأبى وكان شاعرًا عموديًا، ولأخى محمود وكان شاعرًا أيضا ولهذه الأجواء الصوفية التى جعلتنى أكتب شعرًا فى ليلى المحبوبة وعن الكأس والخمر التى شرب منها ابن الفارض قبل الخلق فسكر بها على حد قوله:

«شربنا على ذكر الحبيب مُدامةً/ سكرْنا بها من قبل أن يُخلق الكرْمُ»

من هنا جاءت بداية شعري، وعندما كنا نذهب لمزارعنا كان الشعراء الجوّالون يمرّون علينا ليحكوا السّيرة الهلالية ويتجمّع الناس حولهم فى حلقات وكان شاعر الرباب يحرّك وجدانهم فيتفاعلوا مع أبو زيد الهلالى أو الزناتى خليفة فى تونس الخضراء:

«صرخ الزناتى وقال آخْ/       يا تونسْ تعبتِ معايا

ما فضلشْ ولا خِل ولا آخْ/      فى الحرب يسندْ ورايا»

وتتعالى صيحات الجمهور يطالبون أن يردّد من جديد وكلٌّ يبكى وينحب وجيعته.

كانت النّساء يجتمعن فى الأفراح والأحزان يرثين المتوفَّى «بالعديد» فى مشهد لا أنساه ما حييت، وقد التحفن بالعباءات والملاءات السّوداء نائحات:

«كنتْ فين ْيا وعدْ يا مقدرْ/ كنت فى خزانةْ وبابها مصدّرْ

قبْر مِينْ إلّى البقرْ داسُهْ/ قبر الحبيب إلّى هجَرْ ناسُه»

كنّ يرددن هذه الأبيات فى نظام عجيب وأنا أرى الحزن فى قلوبهن وعيونهن فتتحول الجنازة إلى غناء أسطورى جمْعى حزين... بين هذا وذاك... بدأ الشّعر يكتبني

خاتمة الكلام

كم قلتُ إنى اعتزلتُ الشعر، معذرةً/

الحبُّ يكتبنى شعرا، فأتّقدُ.