رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معركة جيش وشعب.. أكتوبر صنيعة الأجداد وفخر الأحفاد

حازم هاشم
حازم هاشم

عظيمة هى لحظات النصر، تستمد عظمتها تلك من حجم تضحيات أبطالها، وقدرتهم على الصمود والمقاومة، والأهم يقينهم بقدسية وطنهم، وعزة ترابه، من هنا تصبح أحداث تلك البطولات حكايات تتلى، يشعر أجيال تتوارثها بفخر أجدادهم صانعيها، لتصبح جزءاً مهماً من تاريخ حفر فى وجدان شعب أبىّ، وجيش مغوار.

ويفخر تاريخنا المصرى والعربى عامة ببطولات نصر السادس من أكتوبر، إلا أن ذلك النصر لم يكن صنيعة ساعات أو ليالٍ بل سنوات أطلق عليها «حرب الاستنزاف»، تبارى فيها جنودنا البواسل فى القضاء على قوة العدو وإضعاف أسلحته ومرتكزاته داخل مصر، من أراض شهدت احتلالاً بغيضاً لم يلبث أبطالنا أن قضوا على أسطورته الزائفة وتفوقه المدعى بأقل الإمكانات، وبعزيمة وذكاء مصرى لا يقهر.

ومثلما تبارى التاريخ فى تخليد تلك البطولات، تبارت أيضاً أقلام المبدعين والكُتاب فى تقصى أحداثها وإبراز تضحيات جنودنا، فظهرت العشرات وربما المئات من الكتب حول حرب أكتوبر، لكن يبقى أهمها وأبرزها وأكثرها أثراً ما قُدم لأطفالنا وشبابنا، ممن لم يشهدوا هم وربما آباؤهم تلك الأحداث، ليصبح الكاتب أمام تحدٍّ هائل، وهو الأخذ بيد طفل أو فتى يقع تحت مغريات عصر إلكترونى قاسٍ، فيجعله يطالع بطولات الأجداد بشغف وفخر.. هكذا فعل الكاتب الصحفى الكبير الراحل حازم هاشم، فمن خلال سلسلة حملت عنوان «أبطال أكتوبر»، والتى صدرت عن دار الناشر العربى عام 1995، تضم 12 قصة مطعّمة برسومات شرحية، استطاع أن يستعرض مجموعة من البطولات لمجندينا، دارت رحاها أثناء حرب الاستنزاف وحتى تحقق نصر أكتوبر المجيد، فالكاتب يستعرض بطولات أسلحة الجيش المختلفة من خلال بطل لكل سلاح لتتشارك جميعاً فى صنع النصر، فما بين بطولة لكتيبة الدمار التى كُلفت بتدمير إحدى نقاط العدو الارتكازية بشرق بورفؤاد، وبطولات جنودنا الذين كُلفوا بزرع الألغام والمتفجرات فى طريق تحركات العدو، وبطولة لسلاح الطيران وضربته الجوية، تتنوع وتتجلى القصص، التى تسلط الضوء على بطولات دارت فى الكواليس لكنها كانت خير ممهد لانتصارنا الأعظم، فلولا بسالة هؤلاء الجنود ما بوركت خطواتنا بالنصر.

على أن ما يجمع تلك القصص -التى جاءت عناوينها كالتالى: «أبطال جبل المر، الشرقاوى، الشهيد الحى، العائد، بطل حتى النهاية، بيان عسكرى ناقص، حسان والنقطة، رمضان كريم، صائد الأسرى، كتيبة الدمار، كتيبة طوسون، مهمة رحمى»- كونها بطولات جماعية فى معظمها، رغم اعتمادها على بطل واحد للحدوتة، إلا أن الكاتب قد حرص على التأكيد عبر الأحداث أن تلك البطولة الفردية ما كانت لتكتمل لولا تكاتف جهود باقى جنودنا البواسل «أصدقاء البطل وزملاء كتيبته»، وهو بالفعل ما ميز روح أكتوبر، وقد اختار الكاتب أن تدور معظم أحداث قصصه حول بطولات حرب الاستنزاف، لإيمانه بأهمية تلك البطولات فى التمهيد لنصر السادس من أكتوبر.

واعتمد الكاتب فى قصصه على إيراد تفاصيل الحدث والمعارك بدقة لا متناهية، معتمداً على استخدام تقنية المشهدية التى تخلق من الحدث شريطاً سينمائياً يدور أمام أعين القارئ.

ورغم ذكر هذا الكم من التفاصيل التى تخص المعارك والخطط وتنفيذها، بشكل يجعلنا نظن أن الكاتب كان أحد قائدى حرب أكتوبر بالفعل، لذلك الوعى المحيط والوصف الملمّ بظروف كل سلاح وكتيبة، فرغم كل هذا القدر من التفاصيل إلا أن الكاتب حازم هاشم استطاع أن يحتفظ بعنصر الإثارة وتلاحق الأحداث بسلاسة عجيبة.

 

** اللغة والسرد:

 

يستخدم الكاتب حازم هاشم فى قصصه أسلوباً أدبياً يميل للتأثر بالأسلوب الصحفى الذى يعتمد على السرد أكثر من الحوار، وهو ما يؤكده قلة وجود الحوار بين الشخصيات، إلا أن لغة القصص تتميز بالجمع بين الرصانة اللغوية وثراء معجم مفرداته وبين سهولة وبساطة تلك المفردات، فى مزيج يصعب تحقيقه إلا من أديب أريب.

استخدم الكاتب الراوى العليم فى السرد، والذى يساعده على كشف كل تفاصيل الأحداث والشخصيات، وهو ما يتناسب وطبيعة القصص.

وفيما يلى نحاول استجلاء الأفكار من خلال قصتين من تلك السلسة:

- قصة «مهمة رحمى»:

حين يصبح الثأر مما تكبدناه فى نكسة سابقة دافعاً لنصر عظيم، وحينما يتجرع البطل مرارة الهزيمة فى 67، ويشهد استشهاد أصدقائه يكون الدافع مضاعفاً والحماس مذهلا، والإصرار على الانتصار قوياً، هكذا كان رحمى، الذى أوكل إليه مهمة التمهيد للعبور، ومهاجمة بعض نقاط العدو الحصينة، لتحين المهمة العظمى، وهى اقتحام القناة وعبورها بمعاونة سلاح المهندسين، لفتح ثغرة فى خط بارليف.

وهنا يصف الكاتب تفاصيل تلك المعركة، فما بين معارك بين قوات البطل والعدو تتجلى مهارة الكاتب فى الوصف، مؤكداً أن النصر لم يكن وليد تفوق فى القوة والعتاد، بقدر ما كان تفوقاً فى استخدام العقل والذكاء المصرى والثقة فى الله والنفس، فها هو يقول (فوجد أن أنسب الطرق لسد وإغلاق تلك الثغرة لن يكون فى الاعتماد على الأسلحة وإنما لا بد من الاعتماد على ذكاء وخبرة المقاتل المصرى...).

- قصة الشهيد الحى:

تحكى تلك القصة بطولة القوات الجوية التى مهدت ضربتها الأولى للعبور، فها هو الضابط علاء الذى انطلق بطائرته بين سرب ضخم كانت مهمته أن يسدد أول ضربة للعدو لتترنح قواه، إلا أن طائرته تصاب بقذيفة غادرة، فيفكر علاء كيف يرد الضربة للعدو رغم أنه يجابه الموت وعلى شفا لحظات منه، فالنيران تشتعل بطائرته وهو لا يضمن النجاة حتى لو قفز منها، وهنا يلمح مخزناً لأسلحة العدو، فيقرر أن تسقط طائرته المشتعلة فوق ذلك المخزن، بعد ان يقفز منها، ليفتح المجال بفعلته تلك أمام زملائه ويقيهم ضربات العدو.

هنا يتجلى تأثير تلك البطولة المنفردة وقدرتها على أن تكون إنجازاً يعادل إنجاز كتيبة بأكملها، ودليلاً دامغاً على أن كل الشعب المصرى كان بطلاً للحرب، جميعنا كنا أبطالاً فى معركتنا، فاستحققنا النصر على عدو جبان لا يمكنه الصمود أمام إرادة شعب وجيش آمن بذاته: (إن المتتبع لبطولات حرب أكتوبر سيجد فى كل من شارك فيها نموذجاً آخر لعلاء وإن اختلف الموقع... لقد كان شباب مصر كلهم علاء... لقد كان الثأر عظيماً ومشروعاً... لذلك لم يكن علاء وحده، بل إنهم أبناء مصر التى حموها ودافعوا عنها دفاع الابن عن أمه ودفاع الحر عن شرفه وكرامته).