رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

هل تدرك الغزالة أنها ستموت؟ وهل تعلم العصفورة أنها ستتوقف عن التحليق حين تغادر الحياة؟ ثم هل يعى الفهد أن أنيابه ستباع يوماً كهدية تذكارية لزوار غابات أفريقيا؟ وهل يتوقع ملك الغابة أنه ستأتى ساعة تغدو فيه جيفته وليمة شهية لدود الأرض؟

الحق أن العلم لم يثبت حتى الآن أن أياً من الكائنات الحية يدرك أنه سيموت سوى الإنسان، فالحيوانات لا تملك نعمة الوعى بذاتها وماضيها ومستقبلها. إن جميع الطيور والحيوانات تتحرك وفق برنامج غريزى قابل للتطور ضمن منظومة غريزية أخرى هدفها الأول البقاء على قيد الحياة وسط صراعات شرسة لا تعرف الرحمة.

أما الإنسان فقد عرف منذ زمن بعيد أنه سيموت حتى لو بلغ من العمر أرذله، بل سيقوم من الأموات ويحاسب على ما فعله فى الأرض. ومن عجب أن هذا الإدراك الحزين بالموت هو السبب الأول وراء تطور الإنسان، وسأشرح ذلك تواً.

لا نعرف متى بالضبط أيقن الإنسان أن حياته ستتوقف يوماً، وأنه سيصبح نسياً منسياً. هذا الوعى الحاد بالموت هو الذى أزعج الإنسان بشدة، فقرر مجابهة الغياب المحتوم بتكثيف الحضور، لعله يحظى بنعمة الخلود بعد مغادرة الحياة.

فى رحلة البحث عن الخلود واصطياده، وهو هدف حيوى أمسك بتلابيب البشر، كل البشر، أقول فى رحلة البحث هذه عكف الإنسان على تطوير مهاراته، حتى يصنع شيئا مفيداً قادراً على البقاء بعد رحيل صانعه، ليصبح شاهداً على مهاراته وتفرده.

على سبيل المثال، فإن الهرم الأكبر بالجيزة يعد من أقدم الآثار المبهرة التى بناها الإنسان وما زالت تذهل الناس من قرن إلى آخر. هذا الهرم البديع هو أكبر دليل على ما نقول أن للموت فوائد عظيمة. فالذى بنى الهرم أدرك أنه ميت لا محالة، لذا حاول مقاومة هذا القدر القاسى بتخليد نفسه عبر إنجاز عجيب يظل شاهداً على أن هذا البانى عاش هنا.

تخيل معى حجم العلوم التى تطورت من أجل بناء الهرم، فهناك علوم الهندسة والعمارة والرياضيات وفنون التصميم والنحت والرسم وعلوم الطب والتحنيط إلى آخره. أى أن وعى الإنسان بموته هو الذى دفعه إلى تطوير معارفه فى الحياة عسى أن ينجز عملاً يوفر له نعمة الخلود.

أجل... من الرفض النفسى القاطع لوحش الموت، ومن الخوف الشديد منه انطلق الإنسان يفكر ويصنع ويبتكر ويكتب ويرسم وينحت ويطور عسى أن يترك أثراً يحميه من تلك الفكرة المخيفة، فكرة الاختفاء من على وجه الأرض!

هكذا يواجه المرء غول الموت بأكثر من حيلة: بالزواج والإنجاب، بالهوس فى جمع المال، بالإبداع، بالابتكار، بالاستحواذ على سُلطة، وكلما توغل الإنسان فى (تطوير) حيلته ظن أنه يطرد الموت بعيداً. 

أرأيت... هذه فوائد الموت... تطوير الحياة وتيسير سبل العيش. ورغم الحزن الذى يسببه الموت للأقارب والأصدقاء، إلا أنه يؤكد القانون الحتمى: الموت هو هزيمة الفرد من أجل انتصار النوع، أى من أجل حياة أكثر يسراً وجمالاً لمليارات البشر.