رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

تزخر شوارع القاهرة بالكثير من الحكايات التى كانت بطلتها الإمبراطورة «أوجينى», تقف فى مقدمتها بالطبع شوارع المنطقة الواقع بها «قصر الجزيرة» الذى أصبح الآن أحد الفنادق الشهيرة فى منطقة الزمالك، هذا القصر أنشأه الخديو إسماعيل فى عام 1869م، بعد أن اجتمع مع عدد من مهندسى وخبراء المعمار وإنشاء المدن بعدة دول أوروبية، لتحقيق حلمه بتشييد صرح عملاق فى أحد الأحياء الراقية بالقاهرة، وعلى شاطىء النيل، ليتباهى به أمام ضيوفه القادمين لحفل افتتاح القناة.

وكانت الإمبراطورة «أوجينى» قد أخذت بجمالها وفتنتها، موقعها الخاص فى قلب الخديو، فرغب أن يكون القصر على نفس طراز قصر «توليرى بالاس» بفرنسا مضيفا إليه طابعا أندلسيا ربما احتفاء خاصا بأوجينى المولودة فى أسبانيا, وقد وضع تصميمه المهندس الألمانى جوليوس فرانز، بينما قام بأعمال الديكور  مواطنه المهندس كارل فون ديتش، والذى استخدم فيه أفخم الديكورات والإكسسوارات التى جاءت خصيصا من كثير من العواصم الأوربية، وقد تكلف القصر 750 ألف جنيه، وهو رقم خرافى، بمقاييس ذلك الزمان.

وأمر اسماعيل بأن تزرع حديقة القصر بزهور الكرز، بعد أن أبلغته أوجينى باشتياقها لعطر هذه الزهور، وأثناء زيارتها للأهرامات قام الخديو بإنشاء وتعبيد شارع الهرم خصيصا لتسير فيه الامبراطورة الفاتنة، كما أمر بإنشاء حديقة الجبلاية، والتى تبلغ درجة عالية من الجمال والأناقة، لتتمتع الإمبراطورة بها.

ولم يكتف اسماعيل بذلك، ففى وداعه لأوجينى قام بإهدائها غرفة نوم من الذهب الخالص كهدية تحدثت عنها فرنسا كلها وقتها.

وبعد انتهاء حفل قناة السويس، أمر إسماعيل مارييت مدير هيئة الآثار، بإعداد خيمة كبيرة للطعام، فى معبد الكرنك بالأقصر للإمبراطورة أوجينى، ثم تم تغيير الرحلة، بأوامر من الخديو، لتزور الامبراطورة مدينة إسنا، وقرية دندرة ومعبد الآلهة حتحور وهى الزيارة التى حوتها الكثير من الصور والرسومات. وكل اللوحات التى رسمت لاحتفال قناة السويس، كانت أوجينى تتصدرها، وكأن الحفل أقيم لها خصيصًا.

وفى عام 1905، زارت امرأة عجوز مصر، وظهرت فى أحد فنادق بورسعيد، ثم طلبت السفر إلى القاهرة، حتى تشاهد قصر الجزيرة وحديقة الجبلاية، وأثناء تجولها بين تلك الأماكن، بدأت فى البكاء، متذكرة الماضى المبهج ورائحة القصور والحدائق التى بُنيت من أجلها. كانت هذه العجوز هى الإمبراطورة أوجينى. 

وفى مذكرات «جاويدان هانم» أنه أثناء حكم الخديو عباس حلمى الثانى، كانت تزور مصر سنويا امرأة متشحة بالسواد، وتبدأ مقامها فى القاهرة بزياره أرامل الخديو إسماعيل، هذه المرأة العجوز كانت هى أوجينى إمبراطورة فرنسا السابقة.

وفى عام 1920، كانت أوجينى قد بلغت الرابعة والتسعين من عمرها، ولم يعد أحد يتذكرها، فسافرت إلى موطنها إسبانيا لتموت هناك منسية وحيدة تاركة خلفها الكثير من الحكايات والأساطير.

وتقول الاميرة «فاطمة» عن صفحات النهاية: تمر السنون ويترك الخديو الحكم و يقضى بقية حياته بعيدا عن بلده وتسقط الامبراطورية فى فرنسا, الا أن «اوجينيى» تظل على ذكراها القديمة وتزور مصر مرارا بعد وفاة الخديوى.

وفى إحدى الزيارات تطلب السفر من بورسعيد لزيارة القاهرة, ويشاهدها المصريون وهى تمشى حول قصر الجزيرة وحديقة الجبلاية على الرغم من كبر سنها.

كانت تبكى وهى تسير على رجليها المتثاقلتين وكأنها كانت تتذكر ان كل هذا الجمال كان من أجلها حين أحبها خديو مصر وعشق جمالها.

وأنشد لها حافظ إبراهيم حين رأى شيبة شعرها:

ولقد زانك المشيبُ بتاجٍ … لا يُدانيهِ فى الجلال مُدان

وكانت آخر زيارة لها فى مصر وبعدها ماتت وحيدة وفقيرة فى بلاد غريبة تماما كما مات من أحبها وبنى من أجلها أجمل وأغرب حديقة فى العالم.

وتظل الحديقة واقفة تحاول جاهدة التماسك لتتذكر انها كانت اجمل حديقة لعشاق مصر دون أن يعرف أحد قصتها.

حفظ الله مصر وأهلها.

[email protected]