رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محفوظ والسينما.. علاقة نفعية أم صراع لا ينتهي؟

بوابة الوفد الإلكترونية

كان أقرب الأدباء المصريين إلى السينما، حتى أن الناقد اللبنانى إبراهيم العريس أطلق عليه «أديب السينمائيين وسينمائى الأدباء». ويذكر أنه أول روائى مصرى تخرج رواياته إلى السينما العالمية، فقد قدمت السينما المكسيكية فيلمين عن روايتيه «زقاق المدق»، و«بداية ونهاية».

هكذا ربطت الأديب العالمى نجيب محفوظ والسينما علاقة خاصة، فقد قدمت السينما المصرية 27 فيلمًا عن 19رواية له. وقد نفذت روايات محفوظ سينمائيا بشكل يناسب الحالة السائدة فى المجتمع، وعن علاقته بالسينما قال: «كنت دائمًا أنظر للسينما باعتبارها وسيلة فعالة فى الوصول إلى قطاعات من الجماهير لم أكن سأصل إليها بالأدب».

كتب محفوظ سيناريوهات لعدد من أبرز الأفلام التى تم إنتاجها خلال فترة الخمسينيات والستينيات، إضافة إلى أعمال مأخوذة عن رواياته الأدبية. بدأ محفوظ العمل فى المجال السينمائى مع نهاية المرحلة التاريخية فى أدبه، حيث التقى بالمخرج صلاح أبوسيف الذى لقب بـ«مخرج الواقعية»، وعرض عليه أن يكتب للسينما. فكانت أولى تجاربه فى الكتابة السينمائية فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» عام 1945، وتوالت أعماله بعد ذلك، فقد كتب سيناريوهات لستة وعشرين فيلما من عيون السينما المصرية فى تلك الفترة، سواء بمفرده أو بمشاركة بعض المخرجين. وفى عام 1960، التفتت السينما إلى أعماله الروائية وتم تحويلها لأفلام. وكانت البداية مع فيلم «بداية ونهاية»، إخراج صلاح أبوسيف،   وصولا إلى «السكرية» (1973). من أفلام هذه المرحلة: «اللص والكلاب»، و«خان الخليلي»، و«ميرامار»، و«الحب تحت المطر»، و«الكرنك».

ولأن كلا من الأدب والسينما يظل فى علاقة نفعية تبادلية وطيدة مع الآخر، فالسينما تظل بحاجة إلى الأدب لأن النصوص الأدبية تقدم للسينما موضوعات جمالية جديدة، وإلهامات خيالية مهمة، لا تكتفى بما يتخيله المنتجون من مغازلة شباك التذاكر، ولا تولى ظهرها للمشاهد والقارئ، كما يتلخص احتياج الأدب للسينما فى أن الأخيرة يمكنها نقل العمل الأدبى إلى آفاق أرحب من الشهرة والوصول المباشر للمشاهد، الذى ما إن يعجب بعمل سينمائى حتى يبحث عنه مكتوبا، وهو ما يصب فى النهاية لصالح الكاتب والأدب عامة.

لكن إلى أى مدى نجحت السينما فى الاحتفاظ بروايات محفوظ ومضمونها؟ خاصة تلك الأعمال التى لم يكتب لها محفوظ السيناريو مثل «السكرية»، «قلب الليل»، وغيرهما، وأيهما استفاد أكثر من الآخر، السينما أم محفوظ؟ يرى البعض أن السينما جارت على أعمال نجيب محفوظ، وخاصة ما أخرجه حسن الإمام وحسام الدين مصطفى. وقد نال حسن الإمام القسط الأكبر من النقد حين صور «الثلاثية» على سبيل المثال، أو حسام الدين مصطفى حين صور «الطريق»، و«الشحاذ» وغيرهما. ولم ينج من النقد غير صلاح أبوسيف المخرج الواقعى الذى عرف نجيب محفوظ مبكرًا.

فيما يرى البعض الآخر أن محفوظ استفاد من السينما لأنها صنعت له شعبية كبيرة لدرجة أنها ساهمت فى رواج كتبه. ولكن بداية توظيف روايات محفوظ سينمائيا جاءت بعد ظهور «الثلاثية» وأثرها فى الوطن العربى، إضافة إلى «أولاد حارتنا»، وما أثارته من ضجة كبيرة.

بداية يقول الكاتب والناقد د.السيد نجم، إنه عندما وجه أحدهم للأستاذ محفوظ السؤال حول موضوع نقل الروايات إلى السينما حسم الأمر بشأنه، وقال إن السينما وسط وتقنية أخرى لها أسرارها وحرفيتها

مسئول عنها المخرج بالدرجة الأولى.

مع ذلك لم تحسم القضية سواء بالنسبة إلى أعمال محفوظ أو غيره.. واتضحت بعض الحقائق: أن الأفلام الجيدة ومنها أغلب أفضل 100 فيلم فى القرن الماضى هى التى وظفت الرواية الجيدة أولا، الأمر الآخر أن تلك الأفلام المنتجة بصفة عامة تعبر عن ذاتها فقط بالجودة أو السوء، والغالبية العظمى من الجمهور

لا تعنيه القضية وغير حريص على المقارنة التى يتعلق بها المثقف أو الناقد.

ويضيف د. السيد نجم: فى النهاية التغيير الذى يمارسه المخرج وكاتب السيناريو من حقهما لاعتبارات الميديا ومستلزماتها فى السينما، ومنها مطالب السوق،  ولا يقلقنى ما يحدث للرواية، بل ربما يكون ذلك الخلاف سببا لمحاولة البعض البحث عن الرواية

لقراءتها.

أما عن نتيجة الحوار الذى دار حول روايات محفوظ والأفلام المنتجة عنها، فقد استفاد منها محفوظ شخصيا وربما بعض المشاهدين الذين بحثوا عن الرواية حتى وإن كانوا قليلين، وبالعموم نختلف فى مثل تلك القضايا أفضل من الموات فى السينما والرواية معا.. الآن ضجيج بلا طحين!

فيما يرى الكاتب والناقد د.شريف صالح، والذى اعتمدت رسالته للماجستير على تحولات نص «اللص والكلاب» من القصة الصحفية إلى الرواية ثم الفيلم ثم المسلسل وكانت النتيجة المنطقية كما يقول هيراقليطس: لا أحد ينزل النهر مرتين، كذلك لا حكاية تروى مرتين.

يقول صالح: من المؤكد أن المعالجات السينمائية والتليفزيونية لروايات وقصص محفوظ مختلفة عنها كثيرا ومتباينة أيضا فى جودتها، وهذا طبيعى لأن لكل وسيط طبيعته وإكراهاته، فيصعب مثلا تصوير رواية ملحمة ضخمة من عشرة أجيال مثل «الحرافيش» فى فيلم من ساعتين. لذلك عالجتها السينما فى عدة أفلام.

كما تجد السينما صعوبة فى نقل الصوت الداخلى أو المونولوج مثلما تفعل الرواية أو الحفاظ على الحمولة الفلسفية للنصوص لأن السينما تهتم أكثر بالحركة والصراع بين الشخصيات؛ لذلك فكل فيلم لا يقدم ترجمة حرفية للنص وإنما هو تأويل مرئى للمكتوب وفقا لرؤية صناعه. وهو ما أكد عليه محفوظ مرارًا بأنه مسؤول فقط عن رواياته ولا علاقة له بالأفلام المأخوذة عنها، وهذا طبيعى ومفهوم، ومن ثم ليس غريبا أنه رغم عمله لأكثر من عشر سنوات فى كتابة السيناريو تحاشى إعداد نصوصه واختار دائما أن يعالج نصوص غيره؛ حتى لا يتعارض وعيه كروائى مع متطلبات عمله كسينارست.

وعن مدى إيجابية أو سلبية تحويل العمل الأدبى إلى سينمائى، يقول صالح: لا يمكن الجزم بسلبيات وإيجابيات تجربة التحويل للشاشة إجمالا لأن كل فيلم يقيم على حدة فى علاقته بنصه. هناك أفلام كانت بجودة الروايات مثل «بداية ونهاية» و«القاهرة 30» و»خان الخليلي»، وأفلام تعثرت بعض الشيء مثل «قلب الليل» فى نصفه الثانى. لكن إجمالا ضاعفت السينما من حضور محفوظ ونصه فى الوعى الجمعى ولدى شرائح واسعة لا تقرأ.

ويختتم د.شريف صالح قائلا: بالطبع أفاد محفوظ من السينما التى حسنت وضعه المادى وزادت شهرته مثلما ضخت نصوصه دماء مهمة فى السينما المصرية وبفضله أنتجت أعمال تعد من الكلاسيكيات. أى هى استفادة متبادلة خدمت محفوظ والأدب المصرى عموما مثلما خدمت السينما نفسها.