عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبضات

كحبة رمال كستها الشمس لونها الذهبى الأخاذ وسخونتها المحببة، التى تجعلها عصية على الإمساك، وبغمازتين شهيتين وعينين لوزيتين ناعستين، تقدمت نحوى وقد تركت خصلات شعرها المموج تتطاير حول وجهها المربع.. تحدثت فى خجل واضح رغم عمرها الذى يبدو وقد غادر محطته الثلاثين، شكت لى ما تقاسيه من شباب مصر فى كل شارع تسير به، من تحرش لفظى يكاد يصل فى أحيان كثيرة لتطاول بالأيدى، تحاول هى تجنبه قدر استطاعتها، حتى صارت تخشى بل تكره الخروج إلى الشارع.

استمعت إلى حديثها ولهجتها السودانية الواضحة، ثم نظرت لها دهشة من ذلك الجمال الذى تجاوز حدود القارة السمراء كلها، ليقارب فى تفرده جمال أمريكا الجنوبية على وجه الخصوص، ومالبثت أن زفرت فى أسى ولسان حالى يقول: «ومن منا لا تكره السير فى الشوارع مما تلاقيه».

ربما أسديت لها بعض نصائح أراها محاولات ضحيةٍ للهروب من براثن صيادها ليس إلا، فليس من المنطقى أن نتصدى لكل تحرش تحمله لنا الشوارع، سواء بالرد أو اتخاذ خطوة قانونية، وإلا فسوف نترك أمور حياتنا ونتفرغ يوميا لهؤلاء المرضى، انصرفت عنى وهى تحاول استيعاب ما لقنتها إياه وكأننى أسمع لسانها يردد: «وهل سأظل هكذا طوال حياتي؟».

والتحرش ليس ظاهرة جديدة على مجتمعنا، ربما ازدادت وطأتها فى السنوات الأخيرة، لاعتبارات كثيرة، يأتى على رأسها الانفتاح الالكترونى، والأزمات الاقتصادية وتردى مستويات الثقافة والتعليم، وانسحاب دور المؤسسات الدينية، بل وشيوع السلبية فى الشارع المصرى وتفشى ثقافة «وأنا مالي»، كذلك انشغال الأسرة فى تلبية متطلبات أبنائها الحياتية دون التركيز على تربيتهم سلوكيا ونفسيا، ولا ننسى ارتفاع نسب الطلاق والانفصال، والتى خلفت وراءها جيلا يعانى الكثير.

كل تلك الأسباب وغيرها تحيلنا لدور الدولة التى ارتأت الحل كل الحل فى سن قوانين للتحرش بدرجاته؛ تحرشا لفظيا أم هتك عرض باللمس والتعرية، حتى صرنا نحفظ ذلك القانون عن ظهر قلب ويمكننا ترديده على الأسماع إن شاءت: يُعَاقب المتحرش بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وقد تُشدد العقوبة لتصبح بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات فى ظروف معينة، فإذا كان الفعل مجرد تعرض تكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتى ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين وتضاعف فى حالة العودة، وكذلك يُعاقب القانون الجانى الذى يحرض على الفسق بالحبس.

ولكن هل يعد سن قوانين التحرش كافيا لمواجهة تلك الظاهرة؟ فى ظل تفشيها وتحول معظم السائرين بالشارع ووسائل المواصلات بل والعمل إلى متحرشين، وأحيانا متحرشات أيضا، فمطالبة الأنثى باتخاذ خطوة قانونية أو الصراخ لهو أمر غير عملى، ولا يكفى للمواجهة، ربما نجحت تلك الوسائل إذا ما كان الأمر ليس بظاهرة منتشرة بمثل ما يصيب مجتمعنا، إذن فالمسئولية تنسحب بشكل كبير ومباشر على الدولة، التى يجب أن تقوم بتفعيل أدوار المؤسسات المؤثرة، من إعلام وتعليم وثقافة ومساجد وكنائس، وقبل كل ذلك استيعاب الأزمات الاقتصادية وحل مشاكل البطالة، فرغم ما يبذل من جهود إلا أن الأمر يبدو أكبر مما يبذل بمراحل، ويحتاج لتغيير نمطية تلك الجهود ونسبتها، عندها ربما استطعنا أن نطهر مجتمعنا من أدران ظاهرة التحرش.. عندها ربما استطاعت النساء أن تسير فى شوارعنا آمنة مطمئنة.