رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبضات

اخترت أخيرا أن أرويه مثلما أحسسته، من لحظات لا تلتزم ترتيبا رأسيا تقليديا، بل بما يفرضه علىّ تأثرى بمجرى الحدث وما اعتمل بداخلى عند معايشتى للأمر، محمد عبد المنعم زهران، القاص والمبدع الذى غادرنا جسدا وترك لنا إرثا إنسانيا وإبداعيا نبيلا.. عنه.. عن زوجى أروى..  

للحظة شعرت بأننى لم أفهم ما يقال، «ورم بالمخ من الدرجة الرابعة والأمر يستلزم جراحة عاجلة»، نظرت إليه فلمحت بعينيه نظرة مشفقة، عليّ، تجاوزت اللحظة هاتفة «ستشفى، أعرف كثيرين أجروا تلك الجراحة منذ سنوات وعادوا لحياتهم الطبيعية»، لكنه لم يكن معنيا بتلك العبارات، بل لم يلتفت لحالته، فقط كان كل ما يشغله كيفية تلقى من حوله للخبر، أنا وأمه وأولاده، لمحت بعينيه دموعا، ظننتها خوفا، فإذا به يقول لى «أمى لن تتحمل الخبر، أشفق عليها كثيرا أن تعرف ذلك عن ابنها الأكبر»، ثم صمت للحظة وقال: « لا تخافى، سأشفى وأعود لحياتى معك».. وعندما احتضنت يديه وأنا أسير بجواره قبيل دخوله لغرفة العمليات، تناسيت تأكيد طبيبه لخطورة العملية، وعدم توقع نتيجتها، فقط وجدتنى أقول له جملة واحدة «سأنتظرك تخرج لى»، فرد علىّ بإيماءة من رأسه، ولمحت شبح ابتسامة باهتة، لكنه لم ينس أن يربت على يدى كأنه يطمئننى، هكذا، بدلا من أن نهون الأمر عليه، راح هو يشفق علينا.. 

«أريد أن أتعلم الكلام والمشى والحب»..

كانت تلك هى أولى العبارات التى خطها زهران بعد أيام من إجرائه للجراحة، على إثر تعليق طبيبه المعالج على حالته قائلًا إنه سيحتاج لأن يتعلم من جديد الكلام والمشى، كطفل فى بدء النبت، فكانت تلك طريقته فى تلقى الأمر... 

أذكر أنه خلال شهور مرضه، لم ألمح بعينيه يأسا أو ضعفا، بل كان يحفه الأمل طوال صحوه، يحدثنى عن مشروعاته الإبداعية، وعن تلك الرواية التى ينوى أن يوثق بها لحظات مرضه، بل إنه قد وضع لها عنوانا بالفعل، عن آماله فى النشر، حتى أنه قد اشترك فى مسابقة كبرى بروايته الوحيدة التى لم تطبع، فرحت أشاركه أحلاما مستقبلية مشرقة. 

لكن ماذا عن آلامه.. آلام ما بعد الجراحة والإشعاع والكيماوي؟ كان كعادته يكبت آلامه ولا يتحدث بها لأحد، وإذا ما سأله أحد أصدقائه قال عبارة واحدة لم تفارق شفتيه: «الحمدلله، أنا بخير».

تهيأت نفسيا للحظة يأس أو قنوط من بؤس المرض وطول الانتظار، وهو ذلك الشاب الرياضى الذى لا يهدأ ولا يطيق الرقاد طويلا، انتظرت، لكنه أبدا لم ييأس، بل كان كثيرا ما يدفع نفسه للصبر بالذكر والعبادة، وغيرها، فها هو يخط عبارات تشجيعية على وريقات ويلصقها فوق الحائط المواجه لفراشه، حتى لا يفارق عينيه الأمل حتى لو أصابته لحظة كدر مفاجيء، وكأى إنسان قد يسكنه الضعف ولو للحظات، حدثنى مرة واحدة عن أمله الذى طال فى الشفاء ولم يتحقق بعد، لكنه لم يلبث أن سارع بالاستغفار لائما نفسه على التفكير هكذا، مغيرا مجرى الحديث، مبتسما رغم الألم.

صبره أورثنى أملا لا حدود له، دفعنى لنبذ فكرة الموت بشكل قاطع، حتى صرت أنا وهو الوحيدين اللذين ينتظران الشفاء، بينما كل المحيطين يعلمون بدنو النهاية.. فإذا حانت لحظة الفراق لم أصدقها، ومازلت.. 

إنه محمد عبدالمنعم زهران، الإنسان النبيل، والمبدع المتفرد، الذى ظل أمله يسكنه حتى اللحظات الأخيرة، فها هو يقول عن إبداعه الإنسانى وإصراره على استمراره، بينما كان جسده يعانى المرض:

«لقد أنفقت وقتًا وعمرًا باهظًا لأكون هذا الإنسان الذى يكتب هذا الأدب، محملًا بالتصور الأكثر مثالية للإنسانية، ولن أخاطر بفقد هذا الإنسان أبدًا».