رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية:

الفكر التكفيرى يخدم أعداء الإسلام

الشيخ عويضة عثمان
الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

الاهتمام بالثقافات المستوردة أسهم فى طمس هويتنا والشعور بالدونية

 

إن الاهتمام بشأن من يتصدر للإفتاء مسألة بالغة الأهمية وشديدة الخطورة. وأضرب مثالاً بمؤسسة «دار الإفتاء المصرية» تلك المؤسسة العريقة التى تعد المفتين الذين يتصدرون للفتوى إعدادًا يبهرك إذا رأيته، دراسة عميقة لمهمات العلوم، من علوم العربية وأصول فقه، والفقه ومقاصد الشريعة وغير ذلك، ثم التدريب العملى التطبيقى ليعيش أمين الفتوى أجواء الإفتاء ويتدرب على كيفية قراءة الواقع، ويستطيع أن ينتقل بالفتوى من مرحلة التصوير إلى مرحلة التكييف، ثم مرحلة إصدار الحكم على الواقعة التى معه، ومن بين رجالات دار الإفتاء الثقات الذين يتصدون لمهمة الإفتاء فضيلة الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، صاحب الإطلالة المتميزة خلال برامج الإفتاء المسموعة والمرئية، والذى تميز بأسلوب بسيط وسهل جذب المشاهدين والمستمعين عبر القنوات الفضائية خلال برامجه، كما عمل فضيلته فى الدعوة والخطابة وتدريس العلوم الشرعية، وله بحوث علمية ومشاركات فى مؤتمرات عن الفتوى داخل مصر وخارجها، كما شارك فى العديد من المؤتمرات عن قضايا المرأة.

الإسلام يرفض البلادة والغباء.. وتعطيل العقل جريمة

امتاز الشيخ «عويضة» بأنه داعية مستنير وفقيه بالغ الحجة، يتناول القضايا الفقهية بطريقة سلسلة سواء فى العرض والمعالجة والخلاصة، حتى أصبح له رصيد كبير فى قلوب محبيه ومشاهديه عبر شاشات الفضائيات من خلال البرامج التى يحل فيها ضيفًا، لبساطة أسلوبه وسلامة منهجه وفكره الوسطى المعتدل فى طرح الردود على الفتاوى والأسئلة.

«الوفد» التقت فضيلة الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وهذا نص الحوار،

< كيف ترى واقع الأمة الإسلامية اليوم؟ وهل تعانى مأزقًا حضاريًا كما يؤكد البعض؟

<< إن الناظرَ بعينِ التأملِ فى واقعِ الأمةِ الإسلامية ليحزن أشدَ حزنٍ على ما آلتْ إليه، أمةٌ قامت حضارتُها منذ هبوطِ الوحى على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وبالتحديد مع أول ما طرق سمعَه الشريف من أمين الوحى جبريل -عليه السلام-: «اقرأ». وهنا حقيقةٍ لا بد أن يقف عندها الجميع ألا وهي: «أن الإسلام قد وضع منهجًا حضاريًا يلائمُ الحياة الإنسانية بكلِ جوانبها، فلم يهمل جانب الروح من ناحية، ولم يَغُض الطرف عن جانب البدن من ناحية أخرى، فكان تكريم الإنسان مطلبا أساسيا لهذا المنهج {ولقد كرمنا بنى آدم} والمقصود هو تكريم هذا الإنسان أيًا كانت ديانته أو انتماؤه، أيا كان جنسه أو لونه كما قال صاحب الرسالة الطاهرة «كلكم لآدم وآدم من تراب». فكرمه بالعقل؛ ليتأمل بعقله إبداعات الكون وعجائب الخلق؛ لينظر ويعتبر، ويوقن بأن لهذا الكون المنتظم فى حركاته إلها عظيما حكيما يدبره ويقوم عليه. ولقد كرَّم الله الإنسان ببسط النعم وتسخير الكون وما فيه لخدمته وإسعاده؛ ليتحرك متمتعا بآلاء ربه «كلوا من طيبات ما رزقناكم».

 

المنهج القرآنى ينهى عن التقليد الأعمى.. والفتوى الشاذة خطر على المجتمعات

محرر الوفد مع الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

وأعظم تكريمٍ هو إرسال الرسل لهذا المخلوق؛ ليعرف ربه ويقرَّ له بالوحدانية، ويخرج من ظلمات الجهل إلى أنوار الوحى والرسالات.

فولدت حضارةٌ جديدةٌ مع ميلادِ هذا الدين، تلك الحضارة التى قامت على منهجٍ من وَضْعِ الله وليس من وضع بشر؛ ليكون مستوعبًا وشاملًا لكل ما يُصلح البشرية ويلبى مطالبها، ويحقق لها سعادتها واستقرارها.

هذه الحضارة الإسلامية بعدلها وإنصافها جعلت عمر بن الخطاب الذى كان يرعى إبلًا لوالده الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى جعلته أميرًا للمؤمنين وخليفةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذ به يبهر العالم بعدله وإنصافه، وقيامه على شأن رعيته، فكان نموذجا فريدا من الحكام الذين دوَّن التاريخ سيرتهم وأعمالهم ليتعجب ويعتبر كل من وقف عليها.

لقد ابتكر عمر الفاروق -رضى الله عنه- من نظم الإدارة ما جعله ينظم البلاد بطريقةٍ إداريةٍ مبتكرة، فمصر الأمصار، كما ذكر ابن سعد فى الطبقات أن عمر بن الخطاب هو أول من مصَّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر.. إلخ

فلولا الإسلام ما كان عمر وما سمع الناس بعدله، ولظل عمر يتقلب بين ربوع مكة وجبالها يبدد قوته فى عصبية وعادات مذمومة.

وذلك سلمان الفارسى عاش حياةَ الرق والعبودية، وإذا بالإسلام ينقله من ذل إلى عز، ومن ضعف إلى قوة؛ ليبلُغ سلمان من الفضل مبلغًا ومن الشرفِ مكانةً وفضلا.

وبلال الحبشى الذى كان يؤذن بصوته الندى من فوق الكعبة، يقول جابر بن عبدالله رضى الله عنهما: كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: أبو بكر سيدُنا وأعتق سيدَنا يعنى بلالًا.

وسالم مولى أبى حذيفة، كان عبدًا لزوجةِ أبى حذيفة فأعتقته، فكان مولى زوجها أبى حذيفة.

 رفع الإسلام شأنه وأعز قدره، فكانوا يقدمونه فى مسجد قباء للإمامة فى الصلاة، وكان يصلى خلفه كبار المهاجرين والأنصار.

تقول السيدة عائشة -رضى الله عنها: احتبستُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما حبسك؟» أى ما أخرك؟ قالت: سمعت قارئا يقرأ، فذكرت السيدة عائشة حسن قراءته، ونداوة صوته، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه وخرج، فإذا القارئ سالم مولى أبى حذيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثلك».

هذه الحضارة الرائعة بعدلها ونزاهتها، جعلتْ العبيد سادة.. فصاروا بإيمانهم وتقواهم أئمةً وقادةً حتى قال عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه: لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيًا لاستخلفته، أى لجعلته أميرًا عليكم يخلفنى من بعدى.

 أن حضارةَ الإسلام برونقها وتميزها حضارةٌ عالميةٌ تعايش الإنسانيةَ فى أرقى الحواضر والمدن، وتنشئ وجودًا حضاريًا لا يعتريه خلل، ولا يشوبه نقص.

 ومن وجهة نظري- أن الأزمة ليست فى تلك الحضارة، وإنما الأزمة فى غيابِ الفهمِ الواعى لرسالتها وأهدافها، فعندما نخطئ الهدف ونغلط فى الفَهْمِ، هنا يَكْمُنُ الخطر وعندها نحتاج إلى من يجدد لنا فَهْمَنا الصحيح لحضارتنا الإسلامية وأهدافها السامية. 

< هل يوجد تناقض بين اكتمال الدين وثباته، وبين الاجتهاد والتجديد فيه؟

<< لقد جاء الدين؛ ليحرر عقل الأمة من الأثقال، فيجمع شتات أمرها، ويوحد كلمتها. والتجديد سنةٌ كونيةٌ تتطلبه حياة الناس ويفرضه زمانهم وتدفع إليه حاجاتهم. والشريعة الإسلامية جاءت لترفع الحرج عن العباد، وتحقق مصالحهم. قال ابن القيم رحمه الله «إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد،، وهى عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، عن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل» إن شريعة الإسلام عامة لا يختص بها بعض دون بعضٍ، ولا ينفرد بها جيل دون جيلٍ، وما يجده الناس من أفعال، ومستجدات لن ينتهى إلى حد، فالزمان يتطور، وحاجات الناس ومعاملاتهم تختلف؛ لذلك من رحمة الله بالعباد أنه لم ينزل أحكام الشريعة فى نسق واحد من التفصيل والبيان، فهناك ما ورد بدلائل خاصة، وهناك ما جاء فى أصول كلية، ليتمكن العلماء المجتهدون أن يستنبطوا منها عند حاجتهم، ما يحتاجونه فى الحكم على المستجدات والنوازل التى تحدث فى حياة الناس.

وذلك منظم مراعى تحت ما يسمى عند العلماء بالاجتهاد، وهو: أن يبذل العالم الفقيه وسعه، وجهده لاستخراج الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية.

< هل هناك اجتهاد فى عصرنا؟

<< نعم هناك اجتهاد، والاجتهاد لا يتوقف، ولو توقف الاجتهاد لتوقف عقل الأمة عن العطاء، وهو وإن لم نجده فى صورةٍ فرديةٍ -ربما هذا- لكنه موجود، وواقع فى صورةٍ جماعيةٍ، وهى تتمثل فى مؤسسات الإفتاء، والمجامع الفقهية، وهيئة كبار العلماء ونحو هذا.

فكل القضايا والنوازل الجديدة تحتاج إلى اجتهاد؛ لنلحقها بالفقه وأحكامه وتلك هى مرونة الشريعة الإسلامية التى تصلح لكل زمان ومكان ولا يتوقف عطاؤها، وهذا مظهر من مظاهر التجديد.

وبعض الناس يقلق من هذه المفردة «التجديد» أو جملة «تجديد الخطاب» وهى بعيدة عن كل ما يثير القلق تمامًا، لأن هناك ثوابت لا تجديد فيها، اللهم إلا من جهة أسلوب عرضها فقط دون المساس بها، وهناك متغيرات،تلك هى التى يدخلها الاجتهاد والتجديد وهى مسرح لأفهام الفقهاء والمجامع الفقهية.

روى أبو داوود والحاكم والبيهقى عن أبى هريرة –رضى الله عنه– أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».

وحدة الحوار بدار الإفتاء تتصدى للشبهات التى يقع فيها الشباب

 

وهذا ربما نجده فى مؤسسة كدار الإفتاء المصرية –على سبيل المثال– فالناظر فيما صَدر ويَصدر من فتاوى يراها تَمس واقع الناس وتعالج قضاياهم ومستجدات حياتهم، وضَربُ أمثلة لهذا كثير.. فمثلا:

فتوى حرمة البناء على الأراضى الزراعية -فتوى حرمة بيع الدقيق المدعم- فتوى حرمة بيع السولار والمازوت المدعم -فتوى حرمة الاحتكار- فتوى حرمة التهرب الضريبي -عشرات الفتاوى الخاصة بمستجدات المعاملات الاقتصادية الحديثة وعشرات الفتاوى الخاصة بوباء كوفيد 19 المستجد، وغير هذا كثير مما نحتاجه فى حياتنا، من فتاوى قضايا الأسرة والمجتمع، وهذا ضرب من ضروب التجديد والفهم والاستنباط من الفقه التراثى لخدمة الواقع، ووضع الحلول الشرعية لنوازله.

< كثير من مدارس التفكير تتهم التراث الإسلامى بأنه سبب ضعفنا وتخلفنا وأنه كثقافة لم يعد صالحًا للتفاعل مع علوم العصر وابتكاراته ونظرياته العلمية والفلسفية والأدبية.. فما رأيك فى هذا؟

<< لا يخلو زمان أبدا من صاحب عقلٍ أعوجٍ لا يرى فى الإسلام وشريعته خيرًا، وهذا وأمثاله ينظرون إلى الإسلام ونصوص الشريعة على أنها سبب التأخر والتخلف والضعف، وهذا يتعجب منه كل صاحب فطرة سليمة، وهنا أريد أن أقف بالقارئ على ما قاله عقلاء الغرب ومفكروهم، وأبدأ بجملةٍ قالها الأمير البريطانى تشارلز قال: إن الإسلام يمكنه أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش فى العالم؛ فالإسلام يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، والدين والعلم، والعقل والمادة.. هذه الجمل تحتاج إلى وقفات من هذا الرجل المنصف.

ويقول الشاعر الفرنسى لامارتين: «الإسلام هو الدين الوحيد الذى استطاع أن يفى بمطالب الروح والبدن معا».. وغير هذه العبارة كثير من شهادات منصفة لعلماء الغرب ومفكريهم.

إن المدارس العلمية فى الأندلس انتفعت منها أوروبا، بل أن العلم لم يطرق جامعات أوروبا إلا عندما ترجمتْ كتب كثيرين من علماء الإسلام، ولم ينكر التاريخ دور ابن سينا، وأبى بكر الرازى، وابن البيطار، وغيرهم فى نهضة أوروبا العلمية، فالإسلام وشريعته لا يعارضان أبدا المدنية والعلم.

فالإسلام كما نرى أتى بأنواره على البشرية، ولو وجدنا تقصيرًا فإنما هو فى القائمين على تبليغ هذا الدين، فحسن عرضه وبيان جماله وفائدة الأخذ به فى شئون حياتنا هو مهمة ودور من يبلغون هذا الدين ويحملونه، وعلى قدر ضعف هممنا فى بيان جماله وحسن عرضه للآخر على قدر ما سنسمع من لوم وتجريح وانتقاص، ووصف بالتأخر والرجعية؛ لذلك علينا أن نبذل جهدنا؛ لنعيش الإسلام أخلاقًا ومعاملات، لنعيشه فى بيوتنا ومجتمعاتنا، نعيشه فى إتقان العمل، وإحسان الصنعة، نعيشه فى الالتزام بالنظام والضوابط التى تضمن للمجتمع استقراره وسلامته، نعيشه بأرواحنا وأجسادنا، عندها ستقف الألسنة عن نقدها، والأعين عن غمزها.

اتهام نصوص الشريعة بالتأخر والتخلف يخالف الفطرة السليمة

 

< هل تؤيد فضيلتكم تقديم العقل على النص؟

<< أن كلمة عقل وإن لم تذكر فى القرآن صريحة، إلا أن القرآن دعانا فى آيات كثيرة إلى أعمال العقل، وتحريكه للوصول إلى الحقائق.. قال تعالى: «الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك...» ولابد من تأمل لكلمة «ويتفكرون»  التى جاءت بعد بيان حالهم فى القيام بالعبادة والطاعة، فكأن القرآن يريد أن يبين لنا واجبا آخر علينا هو «فريضة التفكير».

قال تعالى «أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض»، وقال {قل انظروا ماذا فى السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} (يونس: 101).

وقال «قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ» (العنكبوت: 20).

وكما نرى الإصرار على دعوتنا إلى النظر والاعتبار هو دعوة صريحة إلى الاهتمام بقضية العقل. وغير ذلك كثير من الآيات التى تدعو إلى إعمال العقل والتفكير، واهتم الإسلام بالعقل، وأنزله منزلته، وأولاه القرآن كل هذا الاهتمام؛ لأن العقل أخذ على عاتقه أخطر قضيتين، أولاهما: إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، ثانيهما : إثبات الوحي، وأزيد القارئ.. بأن أشد القضايا خطورة وأعلاها مقاما وشرفا هى إثبات وجود الله -سبحانه تعالى- فلن نستطيع إثبات الوحى حتى نثبت الموحِى به، ولن نصدق بوجود رسل من عند الله حتى نصدق بوجود المرسِل لهم، فاتجه العقل -أولا- لإثبات وجود الخالق، وإثبات قدرته على إرسال الرسل، وعلى تأييدهم بالمعجزات والدلائل التى تدل على صدقهم، وصدق رسالتهم؛

وأيضاً الرسل تخاطب منكرين ومكذبين بالوحى، فكان العقل وسيلة للإقناع فى بعض الأحيان، قال تعالى «أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون»، وقال «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة..........» هذا خطاب العقل ودعوته للتفكير والتأمل ليقف على حقائق الأمور.

وحوارنا الآن مع الشباب الذين أثرت فيهم شبه الإلحاد، يكون بالعقل، لأن منهم من يسد عليك باب الإقناع بآيات القرآن.. لذلك أنشأت دار الإفتاء المصرية وحدة تسمى بـ«وحدة حوار» لمناقشة الشبهات التى يقع فيها شبابنا.. شبهات فكرية وعقدية، والحمد لله أتت ثمارها وظهر أثرها، فكل شاب عنده شبهة ما، يأتى إلينا ويخرج وقد طرح عن عقله ما وقع فيه من شبهة.

والعقل له دوره الرئيس فى فهم النص الشرعي، وهنا أذكر مقولة حجة الإسلام الغزالى، قال -رحمه الله–: بعدما أثبت العقل النبوة ترك نفسه يتلقى الأوامر والنواهى والتعاليم دون اعتراض؛ لأن سلطة النبوة أعلى من سلطته، ونور النبوة أسطع وأرفع من نوره، فالعقل قد يخطئ أو يضل أو ينسى، والنبوة ليست كذلك؛ لأنها من عند الله، والله لا يُقر نبيًا من أنبيائه على باطل أو خطأ.

إن تكاليف الشريعة الإسلامية لا تَرِد إلا على البالغ العاقل؛ وذلك لحديث النبى صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَن النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَن الصَّبِى حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَن الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه أبو داود.. فالعقل مناط التكليف. ولا يتعارض – أبدا– فهم صحيح مع نص شرعى، أو نقول: لا يتعارض عقل مع نقل.

وهنا شيء مهم لابد أن ننتبه له وهو: أن هناك قضايا دينية لا يعمل العقل فيها عمله، ولكن يسلم لها تمام التسليم، كالغيبيات وأسرار العبادات.

ولمكانة العقل وأهميته نزل الوحى بتحريم مما يتسبب فى إفساده وتعطيله. فكان حفظ العقل من الضروريات التى جاءت بها الشرائع، فحرمت الخمر، وحرم كل ما يغيب العقل من المخدر والمفتر.

من هنا كان لابد أن نعطى العقل حقه ووظيفته، وهى التفكير والبحث، ودراسة العلوم، والإبداع، والتجديد، والمناقشة البناءة؛ للوصول إلى الحق، وأن نتيح له النظر فى النصوص والاجتهاد فيها بالضوابط المنصوص عليها عند علماء أصول الفقه.

إن العقل الحر الباحث عن الحقيقة، القارئ للواقع، والفاهم لمستجداته هو العقل الذى يتحرر من آثار التقليد الأعمى، ويسعى إلى التجديد والابتكار.

غياب الاجتهاد سبب توقف عقل الأمة عن العطاء.. والتجديد سنة كونية

< هناك شباب ينجرف نحو قضايا يهدم بها نفسه وربما أسرته، كأن يقع فى براثن الإرهاب أو الإلحاد، ونحو ذلك.. كيف عالج القرآن هذا؟

<< اعلم أن الدين ليس أفكارا غيبية لا علاقة لها بالعقل، ولا صلة بينها وبينه، الدين إيقاظ للفكر وأعمال العقل؛ لينظر الإنسان إلى دنياه فيصلحها ويبنيها، وليقف مع النفس يقومها ويزكيها، ومع أخراه يعمرها.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذم الدنيا، بل قال «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون»، فهى ليست مذمومة فى ذاتها، كيف تُذم وهى مسرحنا الذى نعمل فيه لآخرتنا!

فلا بد لشبابنا أن يعرفوا دورهم فى هذه الحياة.. فبعض الشباب تأخذه أفكار باطلة تنسيه دوره الصحيح، وهدفه المنشود الذى رسمه المنهج القرآنى.

وأقول: إن أمثال هؤلاء لو تركوا أنفسهم لصوت العقل الفطرى لوقف بهم – على الأقل– على عوار فعلهم وسماجة تفكيرهم.

لذلك نهانا المنهج القرآنى عن التقليد الأعمى، ونعى طريقة قوم ظلوا يسيرون على خطى سابقيهم دون وعى وفهم، فقال حاكيا قولهم ذاما طريقتهم {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وأنا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف: 22) -.

إن الإسلام يرفض البلادة والغباء، ويجعل تعطيل العقل جريمة؛ لأنها تحول بين الإنسان، وبين بناء دنياه، وعمارة أخراه، ولقد حكى القرآن الكريم عن لوم أهل النار لأنفسهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير} (الملك: 10).

< كيف يمكن التصدى للفتاوى الشاذة؟

<< الفتوى أمرها خطير وشأنها عظيم، وهى من أجل الرسالات وأعظمها. فالمفتى موقع عن الله، وألف الشيخ ابن القيم كتابا بعنوان «إعلام الموقعين عن رب العالمين» ولقد عظم الله شأن الفتوى، وبين عقوبة من يكتمون العلم ولا يبلغونه للناس. قال تعالى «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون»، ومن صور الكتمان تتبع شذوذات العلم وكتم صحيحه ومشهوره، والفتوى الشاذة: هى حكم منفرد على شيء يخالف حكم أهل العلم وجماعتهم والفتاوى الشاذة خطرها كبير على المجتمع، لأنها تشوه الرسالة الصحيحة التى يقوم بها الفقه الإسلامى فى ضبط سلوكيات الناس، ورعاية مصالحهم.

وفرق كبير بين التيسير المنضبط الذى تضبطه القواعد والأصول، وبين التسهيل المتفلت الذى يقوم على اتباع الهوى، والتأويلات الفاسدة للنصوص، والجهل بواقع الناس، وعدم إدراك مآلات هذه الفتاوى.

 وأما التصدى لهذه الفتاوى الشاذة، فهو دور المؤسسات الإفتائية التى تعنى بشأن الفتوى، كما أنه دور المجتمع الذى يتلقى هذه الفتاوى أيضاً. والحمد لله فى مصر مؤسسات منوط بها شأن الفتوى، تخرج الفتوى منها عن دراسة وفهم للواقع.

كما أن المجتمع لابد أن يزيد من وعيه وثقافته ولا يترك نفسه فريسة لهذه الفتاوى، بل دوره أن يميتها تجاهلا، ولا يلتفت لها، كما أنه يهجر الأخذ من أصحاب هذه الفتاوى، ويلجأ إلى المؤسسات المنوط بها هذا الأمر.

وهذا الأمر له أمثلته فى التاريخ، فقد كان عطاء بن أبى رباح عالما فقيها بالمناسك وهى الحج والعمرة، فكان الخليفة فى هذا الوقت يأمر من ينادى فى موسم الحج «لا يفتى الناس إلا عطاء بن أبى رباح» وما ذلك إلا نوع من ضبط الفتوى لمنع الاضطراب والتشويش على الناس، فتوحيد المصدر والمنبع للفتوى له دوره فى استقرار أمور الناس والمجتمعات ونستطيع أن نقول بأن هذه الفتره هى أكبر فترة انضبطت فيها أمور الفتوى، وصار وعى الناس كبيرًا فى معرفة من يستفتون، فنشر الوعى والثقافة الصحيحة عند الناس يضيق على المتشددين وعلى المتفلتين تلاعبهم بشأن الفتوى.

< هل الفتاوى التكفيرية ممنهجة لإحداث خلل فى المجتمعات؟

<< لا شك أن الفكر التكفيرى ما هو إلا آلة تخدم أعداء السلام وكارهى الاستقرار، وأصحاب هذا الفكر جعلوا من أنفسهم سلاحًا لأعداء البلاد يصوبونه نحو أمتهم، فخدموا أهداف الأعداء، وساعدوهم على زعزعة استقرار الأوطان. فكم دمرت الفتاوى التكفيرية بلادًا، وزعزعت استقرارًا، وتسببت فى إراقة دماء واستحلال أموال وأعراض.

 إن منهج التكفير عارٍ تمامًا عن جمال الدين وروعته، ولا صلة بينه وبين رحمه التشريع ووسطيته. إن التكفير ضد التفكير وأعمال العقل للوصول للفهم الصحيح، لذلك نرى الشباب الذين ينجرفون إلى هذا التيار لا يفكرون ولا يقفون مع أنفسهم متأملين، ليقفوا على أخطاء فهمهم، فتراهم يختارون ما شاءوا من التأويلات الفاسدة مستدلين بها على تكفير من يشاؤون، ولن ينسى التاريخ شؤم الفتاوى التكفيرية التى حصدت أرواح زعماء وعلماء وخدمت أهداف الأعداء.

< أخيرا.. كيف يمكن معالجة ما نعانيه من جهل دينى فى العصر الراهن؟

<< إن الاهتمام بالثقافات المستوردة ساهم بشكل كبير فى طمس ثقافتنا، أو على الأقل الشعور بالدونية أمام هذه الثقافات المستوردة. إن الانبهار بكل مستورد نوع من طمس الهوية، وأن الثقة فى كل ما هو خارجى نوع من نزع اللباس عنا شيئًا فشيئًا، إلى أن تتم تعريتنا من ثقافتنا وأخلاقنا وهويتنا فنصاب بضعف الهمم وبلادة الفكر وذهاب الوعي.. وهذا مستهدف، لذلك لابد لشبابنا أن ينتبهوا إلى ما يراد بهم ويدبر لهم.

إن علاج الضعف الثقافى لابد أن يكون فى الأمور الدينية، والأمور الدنيوية، ولابد من تحفيز الشباب على دراسة تاريخ أمتهم بعمق ووعى ليستنبطوا العبر والدروس منه، وأقول: نحن نعيش أكبر فترة تيسر فيها العلم ووسائل البحث والثقافة، من سهولة طباعة الكتب ووفرتها وإخراج آلاف المخطوطات وطباعتها، مع وفرة الكتاب الإلكترونى الذى يستطيع الإنسان وضع آلاف الكتب على جهاز معه يتصفح ويطالع فى أى وقت، وكل هذا يزيل الجهل، وينشئ أجيالًا واعية مثقفة لا يلعب أحد بعقولها.

 ولا شك أن هناك جواذب ومغريات تصرف أبناءنا عن الاهتمام بالقراءة والاطلاع منها العكوف المبالغ فيه على السوشيال ميديا، وتضييع الأعمار أمامها وهجر الكتاب وعدم الاهتمام به، كل هذا ساهم بشكل كبير فى زياده جهلنا، مما جعل اللعب بعقولنا من أيسر ما يكون.

نحن نحتاج إلى رعاية شبابنا من السقوط والانهيار، فلابد من تكثيف التوعية للشباب فى أماكن تجمعاتهم من جامعات ومدارس ونوادٍ لنقف بهم على الطريق الصحيح للثقافة والعلم قبل أن تتخطفهم ظلمات الجهل.