عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع يتجدد كل عام

الاختيار.. معركة ما بعد الثانوية العامة

جامعة القاهرة
جامعة القاهرة

، ففى الوقت الذى يفكر فيه الآباء فى إلحاق أبنائهم بكليات القمة التى تليق بهم وتتناسب مع صورتهم الاجتماعية أو تضفى عليها مزيدا من الوقار، نجد الأبناء يفكرون فى شىء آخر وهو ما يؤدى إلى الصدام بين الطرفين.

وقد أثبتت التجارب السابقة أن هوس الالتحاق بكليات القمة مثل الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام وغيرها ما هو إلا «وهم»، حيث أن متطلبات سوق العمل تغيرت ولابد من تغيير النظرة السابقة للكليات على اعتبار أنها مرحلة عبور للمستقبل الذى يجب أن يكون متوافقا مع الواقع لا مع رغبات الآباء الذين يريدون أن يروا أبناءهم أطباء أو مهندسين، خاصة أن هناك مهناً تزداد قوتها فى المستقبل مثل البرمجة والكمبيوتر والتشفير والتعامل مع البيانات الرقمية بشكل عام، فهناك مهن تظهر وتختفى كل 50 عاما، ومهن أخرى تتغير طبيعتها كل 20 عاما بحيث لا تستمر بشكلها التقليدى.

ويؤكد تقرير حديث للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول القوى العاملة للربع الأول (يناير - مارس) لعام 2023، أن 81,7٪ من إجمالى العاطلين من حملة المؤهلات، منهم 37,8٪ من الحاصلين على مؤهلات متوسطة وفوق متوسطة، بينما 43,9٪ من حملة المؤهلات الجامعية وما فوقها. هذه المعدلات التى يذكرها التقرير توضح لنا حجم الفجوة بين المؤهلات وسوق العمل مما يستدعى إعادة النظر فى الالتحاق بالكليات الجامعية والتخلى عن النظرة القديمة التى سادت جيلاً وراء جيل بتفضيل ما يسمى كليات القمة بحثا عن الوجاهة الاجتماعية.

أحلام الصغار.. حطمتها أوهام الكبار

 

وجاهة اجتماعية أو رغبة فى توريث المهنة

يعتقد بعض الآباء أن إلحاق أبنائهم بكليات القمة هو الأمل الذى يعيشون من أجله، وبمجرد ظهور النتيجة وتحقيق الابن أو البنت الدرجات العليا يبدأ الآباء فى التفكير فى إلحاقهم بكليات القمة، إما تحقيقا لأحلامهم القديمة التى لم يستطيعوا تحقيقها، أو لمجرد أن يكون الابن طبيباً أو مهندساً، بغض النظر عن رغبات الأبناء وقدراتهم الفعلية، خاصة أن التفوق فى الثانوية العامة له معايير أخرى ليس منها حب الطالب للالتحاق بكلية معينة أو دراسته للمواد التى تؤهله لذلك.

وقد كشف لنا الواقع أنه ليس كل الطلاب الذين التحقوا بهذه الكليات حققوا أحلامهم، بل أن منهم من ضاع حلمه فيها وأصبح مستقبله على المحك، وهو ما أكدته «ن.ع» الطالبة بكلية الطب قائلة: «حصلت على مجموع 96% فى الثانوية العامة وأجبرتنى أسرتى على الالتحاق بكلية الطب التى لم يتمكن والدى من الالتحاق بها فى الماضى»، مشيرة إلى أن هذه الكلية لا تتناسب مع ميولها التى تسبح نحو دراسة التاريخ والتراث والآثار، وتلبية لرغبة الأب الذى اعتبر عزوفها عن الالتحاق بكلية الطب خذلانًا وصدمة من ابنته الوحيدة التى لم يتأخر عنها فى تلبية متطلبات التعليم، التحقت بهذه الكلية التى لم تحقق فيها شيئا.

طلاب الثانوية العامه

أما «م.ع» من قرى الصعيد والحاصل على 95% من الثانوية العامة، فالتحق بنفس الكلية لأن والده أراد أن يرفع رأسه وسط عائلته وجيرانه خاصة أن الظروف حالت دون إكمال الوالد لمسيرته التعليمية، حيث اضطرته الظروف لترك المدرسة من أجل العمل وجلب الرزق لوالديه وأشقائه.

ولرغبة الابن فى إرضاء والده وافق على الالتحاق بكلية الطب بدلًا من تحقيق حلمه فى دراسة علوم الكمبيوتر، مؤكدًا أنه سيحاول خلق فرص لدراستها أثناء دراسته للطب أو بعد التخرج، فهو يريد أن يرضى رغباته كما أرضى رغبة والده.

وهناك مثال آخر على هذه الحالة كشفه لنا الدكتور زياد يوسف مدرّس مساعد فى أكاديمية الفنون، والذى كان ضحية لتعنت والده ورفضه لدراسة التمثيل، فالتحق بكلية الآداب- قسم الفلسفة، وضيّع أربعة أعوام كاملة من عمره حتى تخرّج منها، وعاود دراسة الفن ليتفوق فيه ويصبح أستاذا فى الأكاديمية.

أما ميرفت وزوجها مصطفى «طبيبان» فيريدان أن يصبح ابنهما الوحيد «فهد» طبيباً أيضاً: وتقول ميرفت: «أنا ووالده طبيبان مشهوران والجميع ينتظر أن يصبح ابننا أكثر نجاحا منا.. ونحن نؤهله لذلك، فلا نريد أن ينطبق علينا المثل الشائع: باب النجار مخلع».

نورهان النجار

من جانبها توضح نورهان النجار، الاستشارى النفسى والأسرى ومدرب التطوير الذاتى، أن ثقافة التفاخر الاجتماعى تدفع البعض إلى إلحاق أبنائهم بكليات معينة للتباهى بذلك، أو لتحقيق أحلام الآباء مما يضطر الأبناء إلى الالتحاق بكليات ضد رغباتهم الشخصية، مشيرة إلى ضرورة علاج هذه الظاهرة من خلال حملات توعية تتبناها وزارة الثقافة والأعمال الفنية ووسائل الإعلام المختلفة، حتى يعلم الآباء أن ما يفعلونه مع أبنائهم يقودهم إلى مستقبل مشوه نفسيًا.

وأضافت «النجار»: كل عام نرى آلاف الطالبات والطلاب يضحون بأحلامهم نظير تحقيق أحلام الآباء وقمع ميولهم ورغباتهم الشخصية مقابل إحياء رغبات الأهل أو يكونوا مجبرين لإرضاء والديهم، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى كارثة مستقبلية حيث أن هؤلاء الطلاب يكونون معرضين للفشل الدراسى والتعثر والرسوب المتكرر ثم التحويل إلى كلية أدنى.

وأكدت «النجار» ضرورة أن تعى الأسرة تمامًا أن التعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالميول الشخصية للطالب، لأن هذا مستقبله هو، ويجب على الأهل أن يدركوا حقيقة الأمر وأن أبناءهم مشروع مستقل وليس مشروعا لأحلامهم التى فاتتهم بسبب المجموع المنخفض أو الظروف الاقتصادية قائلة: «اتركوا لأبنائكم حرية الاختيار التى تتفق مع قدراتهم فهم الذين سيدرسون، لماذا نعذبهم بدراسة مناهج لا يطيقونها ونجبرهم على استماع دروس ضد شغفهم وطموحهم» محذرة من أن يقودهم هذا الإجبار إلى التسرب والنفور من التعليم.

ونصحت خبيرة الإرشاد الأسرى، بالتوجه نحو الوظائف الخضراء والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى والرقمنة، لما تتمتع به هذه المجالات من مستقبل واعد فى سوق العمل نظرًا لحداثتها ومواكبتها للعصر، مشيرة إلى أن القمة ليست محصورة فى التحاق الطالب بكليات الطب والهندسة فقط وإنما القمة فى نجاح هذا الطالب وتميزه وإبداعه فى أى مجال يلتحق به.

وطالبت «النجار» بضرورة البُعد عن البحث عن الألقاب أو ما يسمى بـ«كليات القمة»، فالمعنى الحقيقى لـ«كليات القمة» هو توافق تلك الكلية مع قدرات الطالب وإمكانياته ومهاراته، ومدى نجاحه فى سوق العمل بعد التخرج.

وأضافت أنه فى مارس 2022 ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسى حجرًا فى المياه الراكدة فيما يتعلق بملف التعليم الجامعى، والتى تتعلق ببعض الكليات والأقسام التى تجاوزها الزمن، فصارت روافد منتظمة ومتسعة لتخريج العاطلين.

وضرب الرئيس المثل بأقسام التاريخ والجغرافيا، ولكن يبقى القوس مفتوحًا؛ ليضم أقسامًا وكليات لا يحتاجها سوق العمل ولا يرحب بها.

وأوضحت أن الحياة تطورت وصارت تتطلب تخصصات أكثر حيوية، فعادة ما يحاول طلاب الثانوية العامة بمختلف الشعب الالتحاق بالكليات المعروفة تاركين الكليات والبرامج الجديدة التى تؤهل لسوق العمل بشكل جاد، وتعمل على توفير متطلبات سوق العمل فى التخصصات المختلفة والمطلوبة فى مختلف المجالات، مثل: كلية علوم ذوى الاحتياجات الخاصة والتأهيل بجامعتى بنى سويف والزقازيق، وكلية الثروة السمكية بجامعات قناة السويس وأسوان وكفر الشيخ، وكلية الذكاء الاصطناعى بجامعات القاهرة وكفر الشيخ وسوهاج والتى تضم تخصصات صناعة الروبوت والألعاب، وكلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء بجامعة بنى سويف، ومعهد النباتات الطبية والعطرية فى جامعة بنى سويف الذى يؤهل للعمل فى تركيبات الأدوية، ومعهد دراسات وبحوث تكنولوجيا السكر، وكلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجى بجامعة القاهرة، وكلية تكنولوجيا وصناعة الطاقة بجامعة القاهرة التكنولوجية، وكلية تكنولوجيا وصناعة الطاقة بجامعة الدلتا، والكلية المصرية الكورية لتكنولوجيا الصناعة والطاقة بجامعة بنى سويف التكنولوجية، وكلية التعليم الصناعى، ومعهد المشروعات الصغيرة والمتوسطة بجامعة بنى سويف، ومعهد الدراسات العليا والبحوث البيئية بجامعة المنصورة، والمعهد القومى لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، وكلية التكنولوجيا والتنمية بجامعة الزقازيق، ومركز بحوث ودراسات التنمية الريفية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، وكلية الهندسة الإلكترونية بمنوف، وكلية العلوم التطبيقية بجامعة المنوفية، ومعهد دول حوض النيل بجامعة الفيوم.

ثلاثة أضلاع لمثلث النجاح

 

 

 الاستعداد والقدرات والميول:

اختيار الكلية المناسبة أمر ليس سهلاً، فهو بمثابة تحديد مصير لمستقبل الطالب، لذلك لابد أن يتم بعد دراسة متأنية لسوق العمل وتحليل دقيق لكل أبعاده، فالكلية التى سيختار الطالب الالتحاق بها ليست مجرد دراسة فحسب ولكنها مرحلة انتقالية تؤهله لصنع المستقبل، ولابد أن يكون اختيارها عن اقتناع تام وليس جبرا لخواطر الآخرين، أو أن هذا ما فرضه عليه مجموع الثانوية العامة.

 

وعن قواعد اختيار الكلية المناسبة يقول عاصم حجازى أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية‏ بجامعة القاهرة: «أن الجميع من طلاب وأولياء أمور، يدركون أن امتحانات الثانوية العامة، مرحلة مهمة فى تحديد مصير الطالب، ولكنهم لا يهتمون بنفس القدر بمرحلة أخرى شديدة الأهمية أيضاً وهى مرحلة ما بعد الامتحان، وهناك مجموعة من النصائح التى تساعد فى اختيار الطالب لتخصصه الجامعى بشكل مناسب ومنها اعتبار الثانوية العامة مرحلة لاكتشاف الذات والتعرف على نقاط القوة والضعف والخصائص المميزة للطالب عن غيره، وتقبل النتيجة والبدء فوراً فى التخطيط للمستقبل وفقاً لهذه النتيجة».

عاصم حجازى 

وأضاف «حجازى»: يجب أن يكون هناك قراءة شاملة لكل التخصصات المتاحة للطالب وفقًا لنتيجته والبحث عن أكثرها ارتباطاً بسوق العمل والإلمام بنظام الدراسة بها والمقررات التى تدرس فيها، ومجالات العمل المتاحة.

وأوضح أنه عند اختيار الكلية لابد من البحث عن الدراسة المرتبطة بالثورة الرقمية، ووضع جدول يوضح مميزات وعيوب كل تخصص للمقارنة بين التخصصات، على أساس موضوعى، فضلًا عن أنه يجب على الطالب أن يختار ما يستطيعه لا ما يفضله، مشيرا إلى أن الميول يسهل تكوينها بعد ذلك، بخلاف القدرات فإنها إذا لم تكن موجودة من الأساس فلن يستطيع الطالب تكوينها، ولذلك فإن الطالب يجب أن يختار المجال الذى يرى أنه يمتلك القدرة على النجاح فيه ولا يلجأ مطلقا لاختيار مجال يحبه ولكنه لا يملك فيه قدرات.

وأكد أستاذ علم النفس التربوى، أن خبرة الطالب لا تزال محدودة، وبالتالى يكون على الأسرة أن تساعده فى تقييم الاختيارات، ووضع جدول مواصفات للتخصصات المختلفة، وأن تبدى رأيها وتقدم النصائح والتوجيهات، ولا تترك الطالب وحيدا، وتوكل إليه مهمة الاختيار كاملة فهو لا يمتلك الخبرة الكافية فى الحياة للقيام بهذه المهمة، مشدداً على أن مفهوم كليات القمة هو مفهوم مرتبط بنظام التنسيق المعمول به فى مصر، والذى يتيح للطلاب اختيار الكلية بناء على المجموع، وبناء عليه فإن اتجاه الطلاب نحو تفضيل كليات معينة يجعلها تصبح فى القمة، وقد يتغير موقع هذه الكليات إذا اتجهت أنظار الطلاب إلى كليات أخرى، وبذلك فإن مفهوم كليات القمة وفقا لنظام التنسيق الحالى، سيظل كما هو ولكن قد تصعد إليه كليات جديدة لتحل محل كليات أخرى كانت موجودة، لذلك يجب على الطلاب أن يدركوا أن لكل منهم مسار مختلف عن الآخرين، وهذا المسار محدد بقدرات الطالب وظروفه الخاصة، وما يصلح لطالب قد لا يصلح لآخر، وأوضح أن النجاح الحقيقى للطالب يكمن فى التعرف على قدراته ثم التخطيط الجيد لاستثمار هذه القدرات بشكل صحيح فى المستقبل، مشيرا إلى أن الفشل الحقيقى هو الالتحاق بكلية تفوق قدرات الطالب حتى ولو كانت من كليات القمة أو الالتحاق بكلية أقل من قدراته.

ويعتقد الخبير التربوى أن تطبيق فكرة التنسيق المرن، الذى يقوم على المفاضلة بين الطلاب الراغبين فى الالتحاق بمجال دراسى معين ككليات القطاع الطبى مثلا بناء على درجاتهم فى المواد المؤهلة لهذه الكليات فقط مع حصول الطالب على 70٪ فقط فى المواد غير المرتبطة، سوف يقضى على مفهوم كليات القمة، فمثلا الطالب الراغب فى الالتحاق بكليات الطب وطب الأسنان عليه أن يحصل على أعلى مجموع فى مواد الكيمياء والأحياء واللغة الإنجليزية، وينظر إلى مجموعه فى المواد الأخرى فقط فى حال تساوى درجاته فى هذه المواد مع درجات غيره من الراغبين فى الالتحاق بهذه الكليات وهكذا مع باقى التخصصات.

الكليات القمه

 وأوضح «حجازى» أن هناك طريقة بسيطة لاختيار الكلية المناسبة، وتعتمد على التفريق بين ثلاثة أمور وهي: الاستعداد فلابد أن يكون لدى الطالب استعداد وقابلية لتعلم مهارات مرتبطة بهذا التخصص ولكنه لم يتعلمها بعد، ثم القدرات وهى أن يكون لدى الطالب بالفعل مهارات ومعلومات اكتسبها تتعلق بهذا المجال، وهناك الميول وهى أن يكون الطالب محبا لهذا المجال، وعند الاختيار يكون الترتيب كالآتى، أولا: يختار التخصص الذى يمتلك فيه ميولا وقدرات، ثم التخصص الذى يمتلك فيه قدرات ولا يمتلك فيه ميولاً لأن الميول يسهل تكوينها بخلاف القدرات، ثم التخصص الذى يمتلك فيه ميول واستعدادات، وبعد أن يقوم الطالب بتقييم نفسه جيدا وتحديد نقاط تميزه وكذلك القراءة المتعمقة عن التخصصات وسوق العمل والمقارنة الموضوعية بينها، يبدأ فى اختيار الكلية المناسبة.

واختتم الخبير التربوى كلامه قائلًا: «عزوف الأبناء عن كليات القمة أو حتى الكليات التى فات الأهل الالتحاق بها فى الماضى، والتحاق الأبناء بكليات تتفق مع طموحهم وميولهم الشخصية وشغفهم وموهبتهم سيعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع، إذ يستثير ذلك الدوافع الداخلية للتجويد والابتكار والتميز والتقدم للصفوف الأولى فى المرحلة الجامعية وكذلك بعد التخرج ودخول سوق العمل، وذلك لأن أبناءنا مشروع حياة مستقل علينا إعدادهم جيدًا لهذه الحياة.. والتميز والإبداع لن يأتى إلا باحترام أحلام الأبناء وشغفهم وطموحهم».

ناجحون رغم أنف كليات القمة

 

 

 «زويل» و«العقاد» و«الفخرانى» و«صلاح» أشهر النماذج

الالتحاق بكليات القمة التى انحصرت فى الثقافة المجتمعية بين الطب والهندسة، لم يعد الحلم الوحيد أمام طلاب الثانوية العامة فهناك الكثير من خريجى هذه الكليات لم يجدوا فرص عمل بعد التخرج، ومنهم من يعمل فى غير مجاله تلبية لرغباته وميوله لأنه التحق بالكلية تلبيةً لرغبة ولى أمره فحسب وليس خضوعا لرغبته الشخصية، فهناك الكثير من المشاهير ورموز المجتمع والعلماء لم يحالفهم الحظ فى دخول كليات القمة، إلا أنهم تمكنوا من إثبات ذاتهم وتحقيق مكانة خاصة فى المجتمع ومنهم من حصل على جوائز نوبل.

اللاعب العالمى محمد صلاح نجم نادى ليفربول الإنجليزى تخرج فى معهد لاسلكى وكذلك الشيخ محمد متولى الشعراوى، واحد من أشهر مفسرى القرآن الكريم وشغل منصب وزير الأوقاف سابقا ولُقب بإمام الدعاة هو خريج لغة عربية عام 1937، وأيضاً العالم أحمد زويل خريج كلية العلوم والأديب طه حسين خريج كلية الآداب وكذلك الأديب والشاعر عباس العقاد كان حاصلا على الشهادة الابتدائية.

كذلك فالنجم عزت أبو عوف ترك مجال الطب من أجل التمثيل خاصة أنه التحق بكلية الطب لإرضاء والده، ورغم مشوار أبو عوف الطويل مع التمثيل إلا أنه لم يجسد دور الطبيب نهائياً، إلى أن عرض عليه هذا الدور فى فيلم بعنوان «الثعلب» ولكن العمل لم يكتمل وتوقف قبل بدء تصويره.

وهذا الأمر تكرر مع الفنان يحيى الفخرانى الذى ترك الطب من أجل التمثيل، فبعد أن تخرج من كلية الطب جامعة عين شمس عام 1971، وبدأ فى ممارسة المهنة فى صندوق الخدمات الطبية بالتليفزيون المصرى، وتخصص فى الأمراض النفسية والعصبية، إلا أنه ترك كل هذا واتجه للتمثيل الذى حقق فيه ذاته.

وعلى المستوى العالمى نجد رجل الأعمال «بيل جيتس» مؤسس شركة «مايكروسوفت» والذى درس مجال الحقوق، وأيضاً مارك زوكربيرج مؤسس موقع التواصل الاجتماعى الشهير «فيس بوك» والذى انقطع عن الدراسة فى المرحلة الثانوية ليتفرغ لمشروعه وغيرهم كثيرين.

وهناك الكثير من الطلاب الذين التحقوا بكليات القمة، استجابة لرغبة الأسرة إلا أنهم عانوا عدم التكيف مع الكلية وأعباءً نفسية ظلت تلاحقهم طول الحياة، فالطالبة آية لبيب عبدالرحمن، كانت حديث الإعلام المصرى قبل 10 أعوام تقريبا بعد أن حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية فى الشعبة الأدبية بالثانوية العامة بمجموع 101٪، وكانت بإمكانها أن تلتحق بكليات «القمة» الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام والألسن لكنها قررت آنذاك الالتحاق بكلية الحقوق التى لا يتجاوز الحد الأدنى للقبول بها 60٪، قائلة: «اعتبرونى مجنونة، الناس كانت بتتصدم وتقولى ليه تعملى فى نفسك كدا، هتسيبى كل الكليات المتاحة أمامك علشان حقوق».

وبعد انتهاء «آية» من دراستها فى كلية الحقوق شعبة اللغة الفرنسية، حصلت على منحة ممولة من الحكومة الفرنسية لدراسة الماجستير فى جامعة ليون وبعدها عادت للتدريس فى الجامعة فى مصر حيث تقوم الآن بإعداد رسالة الدكتوراه، وتقول آية إن الدراسة ليست كل شىء «لم أحصل على المنحة لأنى كنت الأولى ولكن تم الاختيار بناء على المهارات الشخصية والخبرات والأنشطة التى كنت أقوم بها، فالأول على الدفعة لم يحصل على المنحة وحصلت أنا عليها رغم أنى الثالثة».

ويقول «محمد طارق» خريج كلية الهندسة أنه لا فرق بين الالتحاق بكلية قمة أو غيره، إذ من الأفضل أن تدرس ما تحب على الأقل من أجل الاستمتاع بسنوات الدراسة، مضيفًا: «مكنتش عايز أدخل كلية الهندسة بس أهلى فرضوها علىّ بسبب مجموعى العالى فى الثانوية العامة، ولكنى الآن عمرى 28 عامًا ولم ألتحق بوظيفة مناسبة بل ويوجد العشرات من زملائى الذين امتهنوا مهنا غير الهندسة بسبب كثرة الخريجين، والآن أحاول البحث عن دراسة أخرى وهى الذكاء الاصطناعى للتعرف عليها ومحاولة البحث فيها عن عمل».

أما «أ.ت» فقد تخرج فى كلية الطب تنفيذًا لرغبة والده الطبيب، والذى قال له حينها: «أنت تدخل طب علشان تكون امتداد لي» وطوال سنوات الدراسة كان يراوده شعور الغربة، ولذلك قرر بعد إنهاء دراسته التصالح مع نفسه وعمل فى مجال الإعلام الذى أحبه ويقول «حاليا أنا رئيس قسم فى مجالى».

وحكت لنا «م.م» قصتها مع الدراسة قائلة: خلال سنوات دراستي فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كنت أقضى معظم وقتى فى كافيتريا الكلية بدلًا من المدرج، بل ولجأت لتغيير عملى بممارسة مهنة بعيدة عن مجال دراستى وهى الفاشون والأزياء، وأعمل حاليًا على تنمية موهبتى ومحل شغفى.

الحاسبات والتكنولوجيا واللغات.. أهم من الطب والهندسة

 

لها مستقبل واعد فى سوق العمل

مع مرور الوقت، بات سوق العمل يحتاج إلى تخصصات أخرى بجانب الطب والهندسة منها مجالات الطاقة والمياه ونظم الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات واللغات بكل أنواعها، فمصر اليوم تطل على العالم كله من نافذة واسعة، لذا يجب على الأبناء والأهل إعادة النظر فى اختيار الكلية على أن يضعوا نصب أعينهم التخصصات الحديثة والاحتياجات الجديدة للدولة، حتى يجد الطالب لنفسه فرصة عمل بعد التخرج، ولا يجب الانصياع وراء عادات مجتمعاتنا التى ترتكب جريمة عظمى فى حق أجيال المستقبل عندما تربط مكانة الفرد فى المجتمع بنوع الدراسة أو الكلية التى يلتحق بها

 وعلى الرغم من أن الدولة قامت بإنشاء جامعات أهلية وتكنولوجية تضم تخصصات جديدة لم تكن موجودة من قبل إلا أن القليل من الآباء يعلم أهمية هذه الجامعات فى سوق العمل؛ سواء المحلية أو الدولية، كذا أهمية الشهادات التى يحملونها والعائد المادى الكبير من وراء العمل بها.

تامر شوقى

من جانبه، يقول تامر شوقى، أستاذ علم النفس والتقويم التربوى بكلية التربية جامعة عين شمس، إن الطالب فى حياته يمر بسلسلة من الضغوط الأكاديمية، والتى يطلق عليها علماء النفس مسمى «الصراعات النفسية» التى تفرض عليه اختيار بديل واحد من بين اثنين أو أكثر، وتشتد وطأة تلك الصراعات مع دخول الطالب المرحلة الثانوية حيث يُفرض عليه اختيار الشعبة التى سيلتحق بها ما بين أدبى أو علمى (علوم أو رياضة)، وتصل هذه الصراعات النفسية لذروتها مع نجاح الطالب فى الثانوية العامة واختياره الكلية التى سيلتحق بها من بين العديد من الكليات المختلفة، وهنا يعانى الطالب من أكثر من نمط من الصراع النفسى فى ضوء المجموع الذى حصل عليه فى الثانوية، فإذا حصل على مجموع مرتفع وقع فى صراع أو حيرة اختيار كلية من بين أكثر من كلية مميزة، أما إذا حصل على مجموع ضعيف هنا يقع فى صراع من نوع آخر، إذ يجب عليه الاختيار من بين أكثر من كلية أو معهد جميعها تتضمن جوانب سلبية، وبالتالى تعتبر مرحلة اختيار الكلية المناسبة من أصعب المراحل فى حياة الطالب، لما يترتب على هذا الاختيار من تحديد لمستقبل الطالب.

وأوضح «شوقى» أنه لا بد أن تُتاح للطالب فرصة اختيار الكلية المناسبة له من وجهة نظره، على ألا تُترك له فرصة الاختيار بالكامل وحده، لأن الطالب فى هذه الحالة قد يقع فى العديد من الأخطاء فى الاختيار نتيجة لعدم نضجه بشكل كبير، وخبراته غير الكافية فى الاختيار، أو قد يكون الدافع لاختياره كلية ما هو البقاء مع زملائه فى المدرسة فى نفس الكلية حتى لو كان مجموعه أعلى بكثير من الحد الأدنى للقبول بها، أو أكبر من مجموع زملائه، كما قد يختار كلية لا تتضمن أقسام تتلاءم مع ميوله، ومن هنا يكون من المهم تدخل الوالدين بشكل هادئ وتربوى لتوجيه الطالب لاختيار الكلية المناسبة من خلال تعريفه بمزايا وعيوب كل كلية، وبالتالى يكون قبوله للالتحاق بكلية ما عن اقتناع وليس نتيجة لضغوط الوالدين، مما يضمن نجاحه واستمراره فى تلك الكلية.

وأشار أستاذ علم النفس إلى أن الإقبال المجتمعى على كليات الطب والصيدلة والهندسة ونظرة المجتمع لها، هو الذى يجعلها تندرج تحت مسمى «كليات القمة»، كما يشير إلى أن المجموع العالى فى الثانوية العامة ليس دليلًا على تميز الطالب، ولا مؤشرًا على قدراته الذهنية، طالبًا من أولياء الأمور عدم فرض كليات معينة على الأبناء ومنحهم فرصة الاختيار وفقا لميولهم ورغباتهم وطموحهم فى الحياة فالتعليم إشباع للذات، وليس لإتباع أهواء الأهل.

وأشار الخبير التربوى إلى أنه من الأوهام الموروثة فى المجتمع المصرى وهم كليات القمة، حيث يكون ترتيب الرغبات فى كل شعبة بشكل معين، وهو ما ترتب عليه أن يكون التحاق الطالب بالكلية وفقا لمجموعة وليس وفقا لميوله وقدراته، وهو ما أدى إلى فشل العديد من الطلاب فى الكليات التى التحقوا بها بعد اكتشافهم فى وقت متأخر أن طبيعة الدراسة بها لا تتوافق مع ميولهم وقدراتهم مما أضاع سنوات من عمرهم بلا جدوى، وبالتالى فإن كلية القمة هى التى يمكن أن يكون الطالب فيها فى القمة ويحقق النجاح والتفوق حتى لو كانت أقل من مجموعه، وأوضح أن هناك مجموعة من الإرشادات التى يمكن للطالب الاعتماد عليها فى اختيار الكلية المناسبة له ومنها: أن تتوافق مع ميوله ورغباته، ومدى احتياج سوق العمل لتخصصه، فهناك العديد من التخصصات الجديدة المطلوبة فى سوق العمل مثل الطاقة المتجددة، والأمن السيبرانى، والروبوتات، والهندسة النووية، وهندسة الذكاء الاصطناعى، وهندسة البرمجيات، وعلوم البيانات الضخمة والهندسة الميكانيكية، وتصميم الألعاب، لأن سوق العمل المحلى والدولى لا يحتاج إلى طلاب تقليديين، بل يحتاج إلى طلاب تجيد استخدام التكنولوجيا والتعامل مع العديد من اللغات.

وأضاف أنه يجب تحديد الهدف من الالتحاق بكلية معينة، والابتعاد عن الالتحاق بالكليات أو الأقسام التى تكون فرص العمل فيها بعد التخرج محدودة، واستشارة ذوى الخبرة من الأهل والأصدقاء للتعرف على مزايا وعيوب الالتحاق بالكليات والتخصصات المختلفة، كما يجب التوعية بمتطلبات سوق العمل، وأن يكون هناك تواصل مباشر بين الجامعات ورجال الأعمال لتلبية احتياجات سوق العمل من وظائف للخريجين.

وحذر من أن تصبح الجامعات مصدرًا لرفع معدل البطالة فى المجتمع، مشددا على أنه لا توجد كليات قمة وإنما يوجد طالب متفوق فى دراسته أيًا كانت الكلية التى التحق بها عن رغبة وحب، وبالتالى أبدع فيها وتميز فأحرز نجاحات جعلته فى القمة ومصدر فخر لنفسه وأسرته ومجتمعه.