خط أحمر
لا يزال السلام فى حاجة إلى رجال يصنعونه، ولا يزال السلام أصعب من الحرب، ربما لأن السلام يظل «صناعة».. أما الحرب فهى فى النهاية قرار.
وليس أقرب إلى ذلك إلا السلام الذى صنعه السادات بعد نصر أكتوبر، فلولا رجل مثل السادات ما كان من الممكن أن تخرج معاهدة السلام مع إسرائيل إلى النور عام ١٩٧٩، ولولا عقلية مثل عقلية الرجل يرحمه الله، لكانت المعاهدة قد انتكست فى منتصف الطريق.
وكانت ماريا زخاروفا، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، قد قالت على هامش القمة الروسية الأفريقية التى أنهت أعمالها فى سان بطرسبرج ٢٨ يوليو، أن روسيا تلقت ٣٠ مبادرة سلام منذ بدء عمليتها العسكرية فى أوكرانيا ٢٤ فبراير قبل الماضى.
وهذا معناه أن روسيا كانت تتلقى مبادرتين كل شهر تقريباً، وأن العيب لم يكن فى المبادرات، ولا كان فى السلام نفسه، ولكن المشكلة كانت فى أن المبادرات كلها لم تصادف رجالاً من صانعى السلام على الجانبين.
فالطرف الروسى فى الحرب لا يتوقف عن الكلام عن أنه منفتح على السلام، ولكنه يقول إن عنده شرطاً لهذا الانفتاح، وإن هذا الشرط هو أن يراعى الطرف الأوكرانى أن حقائق جديدة قد طرأت على الأرض.. والروس يقصدون بالحقائق الجديدة أن مناطق أوكرانية صارت تحت حوزتهم، وأنهم نظموا استفتاءً فيها، وأنها صارت فى حكم مناطق روسيا كلها.
ولكن الطرف الأوكرانى لا يعترف بهذا، ويقول هو الآخر إنه منفتح على السلام، وإن شرطاً يحكمه فى هذا الانفتاح، وإن هذا الشرط هو عودة الحدود الروسية الأوكرانية إلى حدود ١٩٩١، أى الحدود التى قامت يوم استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتى.
وبهذه الطريقة يمارس الطرفان لعبة عض الأصابع الشهيرة، وهى لعبة تقوم على أساس أن يتشدد أى طرفين فى أى صراع، وأن يكون الرهان على مَنْ يقول «آه» منهما أولاً!
ولا تزال الحرب دائرة، ولا يزال كل طرف يغذيها، ولا يزال كل طرف ينتظر أن يقول الآخر «آه» أولاً، ولكن المشكلة أن العالم كله قد صار يقولها قبل الطرفين؛ لأن هذه حرب تجاوزت تداعياتها حدودها، ولم تتوقف عواقبها عند حدود الدولتين المتحاربتين.
ما أتعس العالم وهو يجد نفسه عاجزاً عن فعل شىء فى هذه الحرب العبثية، وما أتعسه وهو يراهن على رجال من صناع السلام على الجبهتين فيخيب رهانه فى كل مرة!