رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما نعود بالذاكرة للوراء نجد بعض الأشياء والذكريات محفورة فى داخلنا، ومهما مضى العمر تظل تلك الأشياء محفورة بشكل غائر فى داخلنا، ربما نسيناها، أو يعتريها الكثير من الغبار والتراب، لكن فى لحظة تعود قوية وناصعة وبراقة لكن مع الكثير من الشجن والألم، والأقرب للحقيقة هو الشجن الذى يغلف دومًا ذكرياتنا، وخاصة إذا كانت قوية وجميلة وتمكنت فى لحظة من لحظات العمر الراحل من أن تداعب المشاعر وتغزو القلب بشكل أو بآخر. ومضى بنا قطار العمر، ورحلنا من أماكن طفولتنا.. توارت الذكريات.. وأحيانا تداعبنا فى محاولة منها أن تجعلك تشعر بأن هناك من الرحلة بقايا ثمار والعديد من الأزهار التى ازدهرت فى الماضى. دخلتُ إلى محل أشترى بعض المستلزمات، وللحظة شعرت بدوار وبعدم اتزان، فوجدت من يقول لي: تعال اقعد، اتفضل اجلس وبعد كده شوف متطلباتك. سمعت كلامه ونظرت إليه قلت له: ازاى عرفت أنى أعانى فى تلك اللحظة من عدم اتزان؟ قال لي: أنا معرفش انك بتعانى من عدم اتزان، ممكن يكون إجهاد بسيط.. كلنا وارد أن يحدث لنا ذلك يا دكتور حسن يوسف. نظرت إليه: أنت تعرفني؟، قال: طبعا أعرفك وأعرف الشارع وأعرف (عم يوسف) الله يرحمه ويرحم الجميع. حملقت فيه جيدا متوسلا لذاكرتى أن تعرف من هذا الشخص، ولكن بلا جدوى. قال لي: حاجة بسيطة هتخليك تفتكرنى على طول.. إيه رأيك فى (حكمت)..أوه.. أوه.. حكمت.. طبعا كده افتكرتنى.. قلت له: طبعا.. طبعا.. وتذكرت الأستاذ علاء منصور وهو فى نفس البيت الذى كانت فيه، وسردنا الماضى فى محاولة منا لترطيب الواقع، فللذكريات قدرة على أن تجعلنا أكثر بهجة وأكثر قدرة على التحمل وعلى إكمال الرحلة. قلت له: هل بتشوف حكمت؟ قال لي: منذ فترة طويلة، أنا هنا استقريت فى القاهرة. قلت له: وأنا مثلك. وتكلمنا كثيرا عن حكمت وكم كانت رائعة وأيقونة للجمال بشكل لا يصدق، وكانت زميلة لى فى المدرسة الابتدائية (مدرسة السعيدية الابتدائية) بشارع محمد بدوى بالمنيا – لم يبق منها إلا بقايا أطلال.. كنا نتعلق بتلك الجميلة على المستوى النفسى، وكم داعبتنا الأحلام والآمال، ومرت السنوات الابتدائية والإعدادية والثانوية، كانت حكمت هى الحديث المحبب إلى شباب الشارع، متألقة فى ذلك الزمن الماضى، زمن الستينيات والسبعينيات وموضة الشارلستون، فكانت متألقة هى وأختها.. ترى ماذا فعل بك الزمان يا (حكمت)! لكن تبقى اللحظة التى استقرت راسخة فى ذاكرتنا.. الجمال سواء على المستوى الحسى الواقعى أو المستوى الذهنى والنفسى. وكما يقول (هيوم) إن حادثة واحدة تجعلنا نستدعى الكثير من الأحداث المتقاربة والملازمة فى تسلسل يمر بذاكرتنا.. ومجرد قول (حكمت) استحضرت كل ما قد مضى بكل تفصيلاته سواء الإيجابى منه أو السلبى.

وتبقى أيقونة الجمال هى الباقية، تفجر فى داخلنا الذكريات وتستدعى الأماكن ليعترينا الكثير من الشجن، ونتساءل فى ألم: تُرى ماذا لو أن الأماكن تمكنت من أن تتحدث وتقول ما قد رأت وشاهدت، وكل الذين كانوا يعمرون تلك الأماكن، لا يتبقى لنا إلا تلك الذكريات.. وآه من الذكريات.. وتبقى حكمت يا صديقى هى السبب فى كل ما نتحدث عنه الآن بعد مضى ذلك العمر.. لنا الله.

 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون