رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

خارج السطر

ما يخيب الآمال وما يُغير حركة التاريخ سوى شخوص استثنائيين يظهرون فجأة، فيبدلون الحسابات، ويقلبون القواعد، ويقودون شعوبًا، فيصعدون بها بقوة نحو العُلا، أو ينحدرون بها بجنون إلى القيعان.

درس ألمانيا العظمى مُهم، ويجب قراءته، وفهمه واستيعابه، ففى سنة 1900 توقع الفيلسوف الفرنسى رايموند آيرون أن يكون القرن العشرين هو قرن ألمانيا. بحسبة رياضية بسيطة، فإن ألمانيا هى بلد، فقد كان آيرون يرى أمامه نخبة علمية وفكرية عظيمة ومتطورة، ثلة من الفلاسفة والعباقرة، يمكن لكل منهم أن يصنع بمفرده نهضة أمم. لقد ساد الاعتقاد بأن ألمانيا مرشحة بقوة لقيادة العالم، فهى على رأس الدول التى تتحد قوتها المادية الرهيبة مع ثقافتها المتمددة، وهو ما يولد روح ابتكار طاغية ويدفع جميع الأفراد إلى الإيمان بالعلم وبقدرته على تحقيق الريادة.

لقد شهدت ألمانيا جيلًا عظيمًا من العباقرة المتفوقين الذين كانوا نتاج إصلاحات تعليمية عظيمة تحققت فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى، وهذا الجيل يطلق عليه «جيل أينشتاين»، نسبة إلى ألبرت أينشتاين، العالم النمساوى الألمانى الذى وضع نظرية النسبية وحاز نوبل فى الفيزياء سنة 1921، ويضم هذا الجيل أيضا عباقرة ألمان معاصرين لأينشتاين مثل الفيزيائى ماكس بلانك، والطبيب باول إيرليش، والكيميائى فريتز هابر الذى نال نوبل سنة 1918، وغيرهم.

ثمة كتاب رائع بعنوان «عالم أينشتاين الألماني» رشحه لى، وأعارنى إياه بكرمه المعهود الوزير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، يُحلل لنا فيه فريتز ستيرن كيف خابت نبوءة سيادة ألمانيا، وكيف تفكك أكبر بنيان لجيل من العباقرة؟

يزن المؤلف فى هذا الكتاب الصادر عن دار جامعة برينستون الأمريكية فرادة هذا الجيل الفريد، وارتباطه الشديد بالعلم، وتميزه بالطموح المنظم، وسعيه الحثيث لنفع البشرية.

غير أن الفاشية والديكتاتورية تبقى للأبد مقصلة نهضة الأمم، فكلما ساد المناخ البوليسى، واحتدم القهر، وانسحقت الحريات، انحصر الإبداع وتقوقع الأفذاذ. وهكذا تبعثر جيل أينشتاين الجبار فى ظل الحكم النازى. ورغم وطنية جيل العباقرة وأصالتهم، فإنهم انفلتوا وتبعثروا كى لا يتحولوا إلى أدوات وحشية لنظام يسعى للتوسع غير المبرر، فهرب مَن هرب، وانعزل مَن انعزل، وانقلب مَن انقلب، ووصل الأمر إلى فرار ألبرت أينشتاين نفسه إلى أمريكا وتخليه عن الجنسية الألمانية، وتقبل العالم الكيميائى تشايم وايزمان اختياره كأول رئيس لدولة إسرائيل.

لم تصدق نبوءة الفلاسفة بسطوع ألمانيا وقيادتها للعالم فى القرن العشرين، وتسللت ببطء وذكاء دولة جديدة خرجت للتو من حرب أهلية طاحنة ومُعلمة، وهى الولايات المتحدة، متدثرة بشعارات التحرر الجذابة، ومتجنبة للدخول فى أوحال الاستعمار المباشر للأمم. لم تر أمريكا هتلر أو موسولينى أو ستالين؛ لذا فقد سطع فيها جيل عظيم من العباقرة فى العلوم والفنون والآداب والابتكار، وسادت العالم منذ منتصف القرن العشرين ولا تزال.

والله أعلم.

[email protected]