رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

بالنسبة لمرسى مطروح، فأحسب نفسى لها من العاشقين، منذ سعدت بزيارتها للمرة الأولى العام الماضى، وهأنذا أكرر الزيارة هذا العام؛ ليزداد العشق ألقًا، ولأكتشف المزيد عن هذه المدينة الفاتنة.

أكتب إليكم الآن من مرسى مطروح، حيث البحر بمياهه الزرقاء الصافية التى تسر الناظرين، وحيث الهواء النقى الطرى الذى ينعش القلب السليم ويشفى الجسد العليل، وقد صدقت ليلى مراد حين ترنمت ملخصة حبها الشديد لمطروح قائلة: (باحب اثنين سوا... الميه والهوا... يا ساكنى مطروح النية فى بحركم، الناس تيجى وتروح وأنا عاشقة حيّكم). صدحت ليلى بتلك الأغنية البديعة فى الفيلم الجميل (شاطئ الغرام) الذى أخرجه بركات عام 1950.

لكن مطروح ليست بحرًا ومياهًا فحسب، وهما كنز ثمين لا ريب يوضح سخاء الطبيعة بشكل مذهل، وإنما مطروح أيضًا تمتلك تراثًا بالغ الثراء، يتمثل فى تعدد قبائلها وثقافة أهلها وعمق قاطنيها.

تقع مطروح على بعد نحو 446 كم من القاهرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط جهة الغرب قريبًا من الحدود الليبية، وقد شاهدت فى مركز المدينة عدة محلات مكتوب عليها (سوق ليبيا). كما شاهدت أيضًا العديد من المحلات السورية، حيث تمكن أشقاؤنا السوريون المقيمون فى مصر من تأسيس عدة مشروعات تجارية هناك، فى المأكل والملبس والأدوات المنزلية وغيرها، الأمر الذى يؤكد (شطارتهم) ودأبهم وجديتهم ومهاراتهم فى فنون التجارة.

من خلال تعاملاتى مع أهل المدينة، وتجوالى فى شوارعها الواسعة والضيقة واحتكاكى المباشر مع ناسها الطيبين، اكتشفت أنهم يكتنزون فى وجدانهم وعقولهم الكثير من التراث المدهش، لذا ما إن التقيت الباحث والشاعر الأستاذ على الشوكى المقيم بمرسى مطروح والمتزوج من بناتها، حتى انهمرت عليه أسئلتى فى هذا الشأن، فالرجل باحث متخصص فى شؤون القبائل البدوية لمطروح، إذ أكد لى بحزن أن عدد الباحثين لا يتجاوز أصابع اليدين، رغم اتساع إقليم مطروح، الأمر الذى يستوجب وجود عشرات من الباحثين ليغطوا هذه البقعة الجغرافية الشاسعة. كما أنه بصدد إصدار أول كتاب عن الأمثال الشعبية لقبائل مطروح وضواحيها، فطلبت منه أن يذكر لى بعض تلك الأمثال، ففعل، ليعترينى الذهول من هذه الكثافة اللغوية الآسرة التى تلخص حكمة الحياة وروعتها وقسوتها أحيانًا.

تنهض هذه المدينة البكر على جبل من التراث الرائع فى كل شيء؛ لذا كم أتمنى أن تتصدى المؤسسات المعنية برصد هذا التراث وتدوينه قبل أن يندثر برحيل كبار السن. هذا التراث يشمل الكلام الشفاهى بتنوعه الخلاق من قبيلة إلى أخرى، كما يشمل العادات والتقاليد والطقوس المختلفة فى الزواج والموت والمواليد والرعى وفنون الطهى وصيد السمك، علاوة على الملابس المختلفة وتصميمات الأزياء وصناعة المراكب والعلاقة مع الدواب مثل الإبل والحمير والخراف إلى آخره.

إن مرسى مطروح بإقليمها الممتد شرقًا وغربًا وجنوبًا (واحة سيوة تتبع مطروح)، ينبغى أن يستفز داخلنا الرغبة الجارفة فى اكتشاف أسرارها وخباياها، فما أجمل تلك الأسرار، وما أروع مرسى مطروح.