عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أجمل ما فى الحياة أن نظل نسأل وأن تبقى الكثير من الأسئلة بلا جواب، ونحن نموت بالفعل عندما نتوقف عن الأسئلة. الوضوح الشديد يعنى العدم، كأن تتأمل صفحة بيضاء ناصعة البياض، لن ترى شيئا تصفه على الاطلاق، وكذلك حالة الإظلام التام، هى أيضا حالة عدمية كأن تغمض عينيك لكى ترى.

حالة هيجان فيسبوكية قامت ولم تقعد على السيدة لميس الحديدى لأنها فقط طرحت تساؤلا عن إمكانية أداء مناسك الحج مستقبلًا عن طريق التقنيات الحديثة مثل الميتافيرس والأونلاين، خاصة فى ظل التطور التكنولوجى العالمى العظيم. وقالت خلال برنامجها التلفزيونى «كلمة أخيرة» إن هذا التساؤل نقلًا عن من أسمتهم الأجيال الجديدة، الذين قد يتساءلون عن ذلك، قائلة لضيفها: «لماذا لا نقوم بالحج بالميتافيرس؟ ليه منعملش الحج أونلاين؟ أو عبر زووم؟ لماذا يجب علينا الذهاب والطواف حول الكعبة». وأضافت الحديدى: «هذا ليس رأيى، أنا فقط أطرح أسئلة لبيان بعض التفسيرات المهمة للفلسفة نفسها».

الحقيقة أن التساؤلات سواء طرحتها الإعلامية لميس الحديدى شخصيا، أو نقلتها عن آخرين هى تساؤلات مشروعة ومقبولة ويجب أن تظل موضع بحث فقهى مستمر.. أمور كثيرة تم تشريعها بعد سنوات، وأحيانا قرون من الرفض. القرآن الكريم نفسه وهو كتاب مقدس عرف نسخ الآيات، وكأن الله عز وجل أراد أن يدفعنا دفعا للتجربة، ولتبديل الأفكار والرؤى وفقا لمعطيات الواقع، وفقه المصلحة، ولعدم الاستسلام لأحكام مطلقة. قصة آدم وحواء والشجرة المحرمة، هى فى حقيقتها قصة تساؤلات دفينة، وتمرد على واقع سماوى، وإصرار على فك ألغاز مميتة، حتى لو كان الجزاء النزول للأرض ومكابدة الحياة. لو تأملنا الحكاية كلها، فلما لا نقول لأنفسنا إنها حكمة الخالق فى أن تبدأ الحياة بسؤال كبير – لماذا نولد؟ وتنتهى بسؤال آكبر لماذا نموت؟ وبين السؤالين نعيش لحظات الدهشة، والفرح والألم والمتعة والعذاب والإيمان والعصيان. بدون الأسئلة ما كانت انجازات العلم العظيمة خلال القرون الماضية، وبدون الأسئلة ما كانت روائع الأدب والفن.. كل الأعمال العظيمة فى التاريخ الإنسانى كان الدافع إليها أسئلة محرجة وأحيانا محرمة. السفر للحج كان يستغرق أياما وشهورا، وكان شد الرحال إلى بيت الله الحرام، أقرب لنفير الحرب، وكم من الحجاج قضوا فى الطريق ضحايا أحيانا لقسوة الطبيعة، وأحيانا أخرى للصوص كانت تجارتهم نهب الحجاج وقتلهم. فى إحصائية رسمية بلغ اجمالى إنفاق المصريين على الحج عام 2008 أكثر من 2.5 مليار دولار، فى حين أن تحويلات المصريين العاملين بالسعودية إلى ذويهم فى نفس العام بلغت 959.4 مليون دولار. التقديرات المبدئية لاجمالى إنفاق الحجاج فى موسم 2023 يدور حول 2.5 مليار دولار – أى فى حدود 75 مليار جنيه.

هذه الأرقام الفلكية لو تصورنا تجميدها لمدة عام واحد للإنفاق على تجديد مستشفيات، وتمويل منح علمية وبناء فصول للتلاميذ الذين تكدست بهم المدارس وتجاوز العدد فى بعض الفصول المائة تلميذ.. لو طرحت السيدة لميس الحديد سؤالا كهذا على رجال الدين والمجتمع ككل: هل التبرع بنفقات الحج لموسم واحد يعتبر من قبيل الجهاد الأعظم والأكبر من أجل حياة فاضلة، أم أن فى ذلك مخالفة شرعية، وليمت من يمت من الناس والتلاميذ ويحيا الحجاج. هل من الحلال أن تكلف زيارة البيت الحرام ثمن جهازين أو ثلاثة للغسيل الكلوى، وبسبب ندرتهم يجلس المرضى طوابير بانتظار الغسيل أو الغسل..! الأسئلة كثيرة وكلها غير محرمة، ومن يحرمها لا يثق بالله الذى ترك لنا سؤالا كبيرا بلا جواب حتى يوم الساعة، نردده أطفالا بصراحة، ونسأله كبارا من وراء حجاب – من هو الله ومن أين جاء – وسجل لنا المولى العزيز إجابة تفتح الباب لألف سؤال عندما قال «قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد..» الله يريدنا أن نسأل باستمرار لنقدر على الحياة، ولنعرفه حق معرفة، ولنؤمن به عن علم وليس بجهل الخائفين.. وبالمناسبة كل التقدير لرئيس تحرير «كلمة أخيرة» الصحفى الذكى خليل العوامى.