شائعات التعويم لا تتوقف..
الجنيه.. حائر

خبراء: تثبيت سعر الصرف يجنبنا الوقوع فى كارثة اقتصادية
..وآخرون: التعويم قادم لا محالة وكل المؤشرات تنذر بذلك
«الدماطى»: الحكومة اتخذت خطوات بديلة لتجنب التعويم
«الإدريسى»: ضغوط صندوق النقد والسوق السوداء تجبر الحكومة على التعويم
ما بين الحين والآخر تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعى بالحديث عن قرب تعويم جديد للجنيه، ويتطوع بعضها بالتأكيد على أن التعويم سيتم خلال ساعات، وخلال الأيام الماضية عاد الحديث بقوة عن قرب تعويم الجنيه، وهو ما أثار جدلاً واسعاً، دفع بعض الخبراء إلى التعليق على ما يثار، وعبر صفحته الرسمية على فيس بوك كتب الدكتور محمد شادى الباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية والخبير الاقتصادى لو منتظر النهاردة إعادة تحديد لسعر الجنيه «تعويم»، فأنا لا أعتقد أنه هيحصل، رغم أنى بأكد لحضراتكم أنه دا القرار الصحيح اقتصاديًا، لكن الإدارة منحازة للجانب الاجتماعى من القرار، وأعتقد انها فى اتجاه للحفاظ على السعر فى النطاق الحالى تقريبًا عند ٢٩- ٣٤ للدولار الواحد، على الأقل حتى نهاية النصف الأول من العام المالى الجديد يعنى فى يناير 2024.
وتابع: «الإدارة واخدة اتجاه أنها تتحمل الفرق فى سعر الصرف، وقادرة فى الوقت الحالى أنها تعمل دا، وكل يوم قدرتها على تحمل دا بتزيد فى ظل أوضاع الاقتصاد العالمى اللى بتتحول لصالح الاقتصاد المصرى».
ورغم تأكيدات الخبراء أنه لا تعويم على الأقل لعدة شهور قادمة، فإن وجود سعرين للصرف، بعدما وصل سعر صرف الدولار أمام الجنيه فى السوق السوداء إلى 37 جنيهاً، بينما فى السوق الرسمى بالبنوك مستقر عند 31 جنيهاً تقريباً.. كل ذلك يحيى من جديد التكهنات بقرب تعويم جديد وهو ما يرجحه بعض الخبراء من بينهم الدكتور على الإدريسى، استاذ الاقتصاد وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع،الذى يؤكد أن تعويم الجنيه مرة أخرى قادم لا محالة، لأن كل المؤشرات الاقتصادية تنذر بذلك.

وأضاف «الإدريسى»، أنه لا يوجد شىء فى أى اقتصاد فى العالم اسمه تعدد أسعار الصرف بوجود سعر رسمى فى البنوك وسعر غير رسمى فى السوق الموازية، لأن ذلك يضر الاقتصاد على كل المستويات سواء الحكومة أو المستثمر أو المستهلك.
وأوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن الوضع الحالى يقول بإن هناك سعرين للدولار أحدهما وصل إلى 31 جنيهاً والآخر وصل إلى 37 جنيهاً فى السوق الموازية أو السوداء.. وقال فى ظل هذا الحال كيف يحسب المستثمر الآن حساباته وتكاليفه، كما أن المستهلك يحصل على السلعة بناء على سعر السوق السوداء، والمستورد أصبح يتعامل مع السوق السوداء لتوفير الدولار، لأن البنوك لا توفره له كلما ذهب إليها.
وأضاف: «السعر الرسمى الآن سعر وهمى والتعاملات المالية كلها تقريبا تذهب إلى السوق الموازية».
كما أن أحد أهم مصادر النقد الأجنبى وهى تحويلات المصريين فى الخارج أصبح بها تراجع نتيجة وجود سعرين للدولار، وجزء كبير منها بدأ يتجه إلى السوق الموازية للاستفادة من السعر الأعلى.
ولفت «الإدريسى» إلى أن التعويم الأول للجنيه فى نوفمبر 2016 أدى إلى وصول معدل التضخم إلى أرقام غير مسبوقة، لكنه قضى على السوق السوداء وتدريجياً التعاملات كلها بدأت تتجه إلى البنوك وتراجع سعر الدولار إلى 15.60 جنيه بعدما وصل إلى 18 و20 جنيهاً عقب التعويم، وهذا أدى إلى تحسن المؤشرات الكلية للاقتصاد حتى جاءت جائحة كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية التى أدت إلى ارتفاعات شديدة فى معدلات التضخم العالمية والمحلية وسحب أكثر من 22 مليار دولار من الأموال الساخنة فى مصر، ما أدى إلى الضغط على العملة المحلية، واضطرت الحكومة لاتخاذ قرارات تعويم وتراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار ووصل إلى 22 جنيها ثم 31 جنيها الآن.

وتابع، «مصر ثبتت هذا السعر منذ 3 أشهر والقيادة السياسية أعلنت مؤخراً أن تعويم الجنيه مرة أخرى سيؤثر على معيشة المواطنين ويضر الأمن القومى وأن الأسعار سترتفع مرة أخرى، لكن الرد على ذلك سيكون من تقارير الجهات الرسمية مثل البنك المركزى والجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء التى أعلنت عن تسجيل معدل التضخم 40.3% فى مايو الماضى، وهذا يؤكد أن تثبيت سعر الصرف لم يؤثر على الأسعار بل أدى إلى استمرار زيادتها، لكن لو تم التعويم وتركنا سعر الصرف مرنا كان العرض والطلب سيؤدى إلى هبوط سعر الدولار تدريجياً واتجاه التعاملات المالية إلى البنوك بدلا من السوق السوداء كما حدث فى التعويم الأول».
وأشار «الإدريسى» إلى أن لجوء مصر إلى عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولى سيكون سبباً رئيسياً فى التعويم القادم، لأن أهم شرط من شروط الصندوق فى أى برنامج مع أى دولة سواء كانت مصر أو غيرها هو وجود سعر صرف مرن، وإلا لماذا ذهبنا إليه من الأساس، كما أنه كان من المفترض هناك مراجعة للصندوق لأداء الاقتصاد فى مارس الماضى وفقا للاتفاق ولم تتم حتى الآن، وهذا أدى إلى تراجع التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى ونظرة سالبة لجدارة الائتمان المصرى، وكلها مخاوف تنتقل إلى المستثمرين، خصوصا وأنهم يرون أن الصندوق غير مقبل على استكمال القرض مع مصر وإجراء مراجعته الدورية.
وتابع، «فضلاً عن الرد القاسى من مديرة الصندوق على تصريحات الرئيس بأن الاستمرار فى استخدام الاحتياطى الأجنبى لدعم الجنيه أمر شبيه بإلقاء الماء فى إناء مسكوب، أى أنه لا يفيد فى شىء للاقتصاد، لأن الأسعار لم تستقر ومعدل التضخم ما زال مرتفعاً، ولم نحافظ على مناخ استثمار يجذب المستثمرين».

وأكد «الإدريسى»، أن كل هذه الضغوط تجبر مصر على التعويم الجديد، مشيرا إلى أن مصر لم تتخذ القرار الآن وأجلته إلى العام المالى القادم حتى لا يزيد عجز الموازنة أكثر من المستهدف، ومن المتوقع أن يتم التعويم خلال شهر سبتمبر كما توقع بنك سيتى جروب الأمريكى، بسبب إمكانية نجاح الحكومة فى جمع حصيلة دولارية من صناديق الاستثمار العربية نتيجة طرح بعض الشركات خلال الشهرين المقبلين، مضيفاً: «التعويم قادم لا محالة لأن الوضع كله ينذر بذلك».
وفى المقابل قالت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية، ونائب رئيس بنك مصر السابق، إنها تؤيد بشدة ما قاله الرئيس السيسى وأنها كانت تنادى به منذ شهور.
وأضافت «الدماطى»، أنه خلال فترة من الفترات أسعار المنتجات كانت مرتفعة فى العالم كله بشكل غير عادى واستمرت فى الزيادة، وسعر النفط مثلا زاد من 60 و65 دولار للبرميل إلى 80 و85 دولاراً الآن، وسعر طن القمح وصل إلى 500 و600 دولار بعدما كان 260 دولاراً، وبالتالى كل هذه الارتفاعات فى الأسعار كانت تحتاج إلى استخدام عملة صعبة لاستيرادها من الخارج وتقريبا مصر احتاجت ضعف المبلغ الذى كان مطلوبا فى الماضى، وهذا الأمر استهلك جزءاً كبيراً من العملات الأجنبية.
وأوضحت الخبيرة المصرفية، أن مصر نفذت حتى الآن تعويماً للجنيه 3 مرات حتى وصلنا إلى أن سعر الدولار أصبح يساوى 31 جنيهاً، وآخر تعويم لم نستفد منه بشىء والدليل هو ارتفاع معدل التضخم وليس العكس، وكل مرة كان سعر الصرف ينخفض فيها كانت أسعار المنتجات تزيد، ولكى نواجه هذا التضخم كان صندوق النقد ينادى برفع معدل الفائدة، وبالفعل مصر رفعت الفائدة 10% وطرحت شهادات بفائدة عالية وصلت إلى 25%، أدت إلى سحب سيولة من السوق نحو 400 مليار جنيه، وكلها خطوات قوية جداً، لكن التضخم فى نفس الوقت يزداد بشكل مستمر، ولذلك إذا قمنا بتنفيذ تعويم جديد وتكرار لنفس الخطوات والإجراءات من الممكن أن تحدث كارثة اقتصادية لأننا سندخل فى هذه اللحظة فى حلقة مفرغة، ولذلك لابد من التوقف كما حدث فى تصريحات الرئيس واتخاذ القرارات بشكل هادئ حتى تبدأ الأمور فى التحرك مرة أخرى.
وأشارت إلى أن مصر تواجه الأزمة الحالية عن طريق خطوات مختلفة بعيدا عن التعويم مثل طرح الشركات للبيع فى قطاعات متعددة سواء قطاعات بنكية أو إنتاجية وهذا الأمر يشجع الاستثمار وجذب النقد الأجنبى، كما تم الإعلان عن مزايا جديدة لتشجيع الاستثمار سواء من ناحية الأراضى أو الضرائب أو سرعة التراخيص والرخصة الذهبية وغيرها، وبالتالى مصر أبدت تعاوناً كبيراً لتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى، وفى حالة تنفيذ هذه الإجراءات سوف يزيد حجم الاستثمار والتدفقات النقدية، لأن الشركات المطروحة قوية جدا وتحقق أرباح جيدة.
وأكدت «الدماطى» أن بيع هذه الشركات لابد أن يكون وفقاً لقيمتها الحقيقية الكبيرة، لأن تحرير سعر الصرف الآن يعنى انخفاض قيمة هذه الشركات وبيعها بأرخص الأسعار، وهذا يضر البلد واقتصادها، والحكومة لا تستطيع القيام بذلك، لأن هذه الشركات أرباحها عالية وفى قطاعات مؤثرة فى الدولة، والاستثمار فيها سيؤدى إلى تدفقات نقدية أجنبية قادمة من الخارج، وهذه التدفقات النقدية ستتحرك فى شرايين الاقتصاد المصرى، وعندها نصل إلى السعر التوازنى للعملة ما بين العرض والطلب.

ولفتت إلى أن هناك وسائل أخرى أيضاً تساهم فى تدفقات نقدية للبلد أهمها قناة السويس التى وصلت إلى أعلى إيرادات فى تاريخها هذا العام ثم السياحة وغيرها من القطاعات، بالإضافة إلى عودة استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة وتراوحت مؤخرا بين 8 و10 مليارات دولار، بجانب الفائدة العالية حاليا، ولذلك لا يوجد داع إلى تعويم الجنيه مرة أخرى.
وقال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى، إن تصريحات مديرة صندوق النقد الدولى بأن دعم الدولة للجنيه المصرى يسبب مشاكل للاقتصاد يعتبر نوع من الضغوط على الحكومة للوفاء بالتزاماتها، ليس فقط من أجل إيجاد سعر صرف مرن للجنيه، ولكن لتنفذ كافة التعهدات التى تعهدت بها الحكومة المصرية للصندوق.
وأضاف «عبدالمطلب»، أن فى مقدمة هذه التعهدات طرح أسهم شركات قوية فى سوق المال، ومجموعة من التعهدات التى تقتضى المنافسة الحقيقية بين كافة قطاعات الأعمال فى مصر، بحيث يتم تطبيق نفس المعاملات الضريبية عليها جميعا أو إعفاؤها منها، وتنفيذ السعر المرن للجنيه، لكن من الواضح أن الحكومة تجد صعوبة فى تنفيذ هذه التعهدات، لأنه عندما يصل سعر الدولار الرسمى إلى 31 جنيهاً فإن هذا الأمر خطير، وكان من المفترض أن تبدأ منذ فترة مرحلة الارتداد وليس مرحلة استمرار الزيادة، وأن تنخفض قيمة الدولار وليس العكس.

ولفت الخبير الاقتصادى إلى أن صندوق النقد يرى أن السعر الحالى للدولار أمام الجنيه ليس سعرا مرنا، ولا يعبر عن حقيقة النشاط الاقتصادى المصرى، وفى نفس الوقت الدولة المصرية ليست مستعدة لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات خلال الفترة القادمة، لأن التعويم الجديد معناه قفزة كبيرة فى سعر الدولار إلى ما يقرب من 50 جنيهاً لكل دولار، وهذا أمر صعب تحمله من جانب الأسر المصرية، خاصة أنه طبقاً للبيانات الرسمية فإننا لدينا 30% تحت خط الفقر، فما بالنا عندما تنخفض قيمة الجنيه مجدداً وتصل إلى أرقام كبيرة، ولذلك سنكون وقتها أمام كارثة.
وتابع، «من هنا لا يوجد أمام الحكومة فرصة حقيقية لطرح الشركات فى البورصة فى ظل تدنى القوى الشرائية الحالية وفى ظل وجود منافسة عالمية أيضا سواء فى سوق المال المحلية أو العالمية، حيث إن هناك دولاً كثيرة جداً ومنها الخليجية بدأت فى طرح سندات سيادية فى البورصات العالمية واعتقد أنها قد تغرى المستثمر المصرى الذى يتعامل فى البورصة المصرية لشراءها باعتبارها أكثر جذباً من الشركات الحكومية المصرية، ومن هنا الحكومة تواجه بعض الصعوبات فى تنفيذ برنامج الطروحات».
وحول تراجع الدول الخليجية عن شراء الشركات المصرية، قال «عبدالمطلب»، إن الدول الخليجية لم تقدم تعهدات بشراءها أو دخلت فى مفاوضات جدية مع الحكومة تلزمها بالشراء، ولكنها مثل غيرها تبحث عن استثمارات تحقق لها أرباح، والسوق المصرى حتى وقت قريب كان سوقا جاذبا، لكن الحديث الآن عن شح الدولار وعدم إمكانية تحويل الشركات الخليجية لأرباحها إلى الخارج، يضع صعوبة أمام اتخاذ قرار الشراء، وسيجعلها غير جادة فى عملية الشراء، وكل ما يقال عن رغبة الخليج فى تخفيض قيمة العملة المصرية حجج ومبررات لعدم إكمال عمليات التفاوض، لأن المشكلة الأساسية هى شح الدولار وعدم قدرة الشركات على تحويل أرباحها، كما يجب أخذ تقرير مراجعة صندوق النقد للاقتصاد المصرى فى الاعتبار، لأن الدول الخليجية لن تستثمر إلا إذا خرج تقرير صندوق النقد بنتائج إيجابية عن الاقتصاد المصرى.