رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدكتور عمرو شريف أستاذ الجراحة العامة بطب عين شمس:

ﻗﻮى ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﺗﺴﺘﻬﺪف ﻣﺼﺮ ﻟﺘﺒﻘﻰ «محلك سر»!

الدكتور عمرو شريف
الدكتور عمرو شريف

الإلحاد صناعة غربية بسبب الانفصام بين العلم والدين

 

الدكتور عمرو شريف أستاذ الجراحة العامة بكلية الطب جامعة عين شمس من مواليد بورسعيد عام 1950، وهو أحد المهتمين بنظريات العلم الحديث وله العديد من الأبحاث فى مجال الجراحة العامة، كما أنه عضو مؤسس للجمعية الدولية للجراحة خاصة فى جراحات الكبد بسويسرا والجهاز المرارى وجراحة مناظير البطن.

حصل «شريف» على بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1974، والماجستير 1987، ثم الدكتوراه 1981، وأشرف على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه فى الجراحة والفلسفة، وهو محاضر دولى فى موضوعات التفكير العلمى ونشأة الحضارات والعلاقة بين العلم والفلسفة وبين الأديان.

اختار الدكتور عمرو شريف الطب ونبغ فيه نبوغ المحب لهذا العلم الذى يغوص فى النفس البشرية وفى الهندسة الربانية فى خلق بدن الإنسان حتى صار خلال سنوات معدودات مدرسًا لهذه المهنة العظيمة ثم أستاذا من أكبر أساتذة الجراحة فى مصر والعالم العربى، وله اسمه الكبير فى هذا المضمار.

التخلف نتيجة طبيعية للابتعاد عن منهج العقل

تبنى الدكتور عمرو شريف أهم مشروع فكرى عربى للرد على الملحدين بالعلم الحديث، وقد أصدر عشرات الكتب الموسوعية التى أثبت فيها أن الإلحاد وهم وخرافة لا تستند إلى دليل من العلم، وأن الكون بما فيه وخلق الإنسان رسالة توحيد لله فى حد ذاته وتحدث عن ذلك فى العديد من كتبه، كما تناول «علم نفس الإيمان» وعلم نفس الإلحاد حتى أسماه بالإلحاد السوفسطائى أو غير الموضوعى، أما مشروعه فى تجديد الفكر العلمى فيتلخص فى دعم نظرياته أن الله أراد أن يكون عمله فى الكون من خلال قوى وقوانين الطبيعة واستدل بمقولة ريتشارد دوكنز: ليس هناك تعارض بين وجود تفسيرات علمية لظاهرة ما وبين منشئ هذه الظاهرة.

«الوفد» التقت الدكتور عمرو شريف أستاذ الجراحة العامة بكلية الطب وهذا نص الحوار،،

< بداية.. ما سبب اهتمامك بقضايا الإلحاد والقضايا الدينية بالرغم من أنك أستاذ للجراحة وما دوافعك؟

<< أى إنسان يهتم بالفكر والفن أو أى شىء آخر فإن ذلك يعود إلى الموهبة أولاً، فقد أعطانى الله موهبة الميل إلى الفن وتحقق ذلك حين عملت فى الجراحة، ثم الميل إلى عالم الفكر، ومن ثم كنت أقرأ باستمرار، مثل النحلة التى تجمع الرحيق، ولم أفكر فى الكتابة إلا بعد أن تجاوزت الخمسين عامًا من عمرى، فأنا أؤمن بأن الإنسان لابد أن تكون له رسالة فى الحياة وقضية يتبناها، وبدأت أكتب عندما شعرت أن المكتبة العربية فى حاجة إلى ما عندى من أفكار، وعندما أيقنت أن هناك فكرة معينة لم تأخذ حقها فى المكتبات العربية، ولذلك كل كتاب كتبته كان له قصة فرضته أو دفعتنى للكتابة فيه، وكان أول كتاب لى بعنوان «بنى آدم من الطين إلى الإنسان» كتبته بعد قراءة كتاب الدكتور عبدالصبور شاهين رحمه الله «أبى آدم» وما زلت فى الوقت نفسه أعمل فى الجراحة والطب فى الجامعة.

أبرز مشكلاتنا هى التمسك بظاهر الدين وإهمال الجرهر

< من الذين تخاطبهم من خلال مشروعك الفكرى؟

<< فى أولى مقدمات بعض كتبى مثل «رحلة عقل» و«خرافة الإلحاد» أثارتنى نقطة مهمة جدًا، فالبعض يتساءل كم ملحدًا سيقرأ ما أطرحه ويغير رأيه؟ خاصة أن لدى قناعة تامة بأن الإلحاد مشكلة نفسية، فليست قضية فكر وكتب، وهذا هو الخطأ، فليس الملاحدة هم المخاطبين فقط بكتاباتى، وأخاطب من خلال كتبى خمسة عقول هى:

أولا: متدين يريد أن يرقى بإيمانه من إيمان الميلاد إلى إيمان اليقين ليعيش حقًا مع قوله تعالى «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق»، ثانيًا: متدين غابت عنه حقيقة الإنسان كموجود متكامل من جسد وروح وقلب وعقل، فنظر نظرة عوراء لا ترى فيه إلا مادية متدنية أو روحانية منفصلة عن الواقع، ثالثًا: متدين يظن أن فهمه للدين «تمام التمام» وهو لا ينزل العقل والعلم منزلتهما فى منظومة الإيمان، رابعًا: متدين يبهره ما يردده الملاحدة «من كلام كبير» حول مساهمة العلم فى تأكيد الإلحاد، في غمرة شعور بالنقص لانتمائه لهذه الطائفة المتخلفة «المتدين» بدلا من الزهو بالإيمان، وخامسًا: ملحد أو متشكك اتشح بالعلم عن كبر أو جهل ورأى فيه برهان الإلحاد بدلًا من أن يكون دليلًا للإيمان.

التراث غطاء أمة.. وتجديد الفكر الدينى ليس بدعة

< باعتبارك أحد العلماء القلائل الذين واجهوا ظاهرة الإلحاد من خلال الفكر والمؤلفات، فما خطورة هذه الظاهرة فى الوقت الراهن، وهل من الممكن أن يعود سببها إلى تصرفات بعض التيارات الإسلامية المتشددة؟

<< نعم.. ظاهرة الإلحاد يشارك فيها ليس الخطاب الدينى المنحرف ولا حتى الخطاب الدينى المعتدل، بل الفكر الدينى نفسه، لأن كل ما يأخذونه على الإسلام ويطرح على شبابنا فى وسائل التواصل الاجتماعى، للأسف منقول من كتب التراث، فدائمًا أقول إن الملاحدة لا يكذبون علينا، فهم يفتحون كتبنا ويستخرجون منها، فهناك أناس يترصدون الأفكار، ومن ثم فإن السماوات المفتوحة الآن تؤدى إلى شيوع النقائص التى يذكرونها، فلا شك أن الفكر الدينى وليس مجرد الخطاب الدينى أحد العناصر المسئولة، وكلما زاد هذا الخطاب تطرفًا كانت مسئوليته أكبر، فالخطاب الدينى الآن مسئول إلى درجة كبيرة عما وصل إليه حال المجتمع الإسلامى، فهو يتبنى الجوانب الروحية والحياة الآخرة فقط، ويترك جوانب بناء الحضارة، لكن هناك علماء ومفكرين كباراً اهتموا بتغيير هذه الصورة، إلا أننا ما زلنا نحتاج إلى صحوة، فللأسف الخطاب الدينى لم يساهم فى التأخر الحضارى فقط بل أصبح أحد أسباب ظهور الموجة الإلحادية نتيجة عدم قدرته على مجاراة التقدم العلمى، وتناقض ما يسمعه شبابنا فى الإعلام العلمى ودور العلم وما يسمعه فى الإعلام الدينى ودور العبادة، ولذلك رأينا أن بعض الشباب ابتعدوا عن الدين، ورأينا بعض رجال الدين يثورون إذا قلنا لهم هذه الحقيقة، فالتجديد وارد وشىء أساسى فى بنية الدين الإسلامى، لأن المجتمع يتغير، والعلم يتقدم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».

أدعو أهل الجمود فى الفكر الإسلامى إلى مصالحة تاريخية مع الحياة

< وماذا عن خطورة الإلحاد فى الوقت الراهن؟

<< فى الحقيقة لا نستطيع أن نقول تصورًا دقيقًا، لأن انطباعاتنا دائمًا تتأثر بالإعلام، ففى هذه الفترة غض الإعلام طرفه عن هذه الظاهرة، فلم يعد هناك حديث كثير عنها، فالبعض يظن أن هذا معناه أن هذه القضية تلاشت، لكن أقول ما الذى حدث حتى تتوقع أن تنحسر هذه الظاهرة، فلم يحدث تغيير فى الظروف التى أدت إلى نشأتها، ومن ثم فما زالت الظروف التى أدت إلى نشأتها موجودة، وفى كل لقاءاتى بالآخرين «الملاحدة» هم فى ازدياد، لكن لم يعد الضوء مسلطًا عليهم كما كان من قبل، ففى البداية كانت الظاهرة جديدة، فركز الإعلام الضوء عليها كثيرًا، لكن الأمور بردت، وهذا ليس معناه أن الظاهرة فى تراجع.

< إذن هل ترفض التراث؟

<< هذه قضية مهمة جدًا، فحاشا لله، فالتراث عبارة عن عطاء أمة وعقولها على مدى قرون، ولكن لا شك أن هذا التراث عبارة عن جهود أناس وأنه محكوم بشيئين: أولا: السقف المعرفى لزمانه، فكل تفسيرات القرآن والأحكام الفقهية ينبغى أن تكون محكومة بالسقف المعرفى للزمن، هذه والحدة، ومحكوم للأسف بظروف وقضايا سياسية كانت الدولة العباسية بخلفائها وأمرائها ووزرائها وقبلها الدولة الأموية سببًا فيها، ومثلما كان هناك تراثيون من أئمتنا، من هو عادل ومحايد ويبحث عن الحقيقة فكان هناك أيضاً من كان يميل إلى المجاملة، ومن ثم نحن نتميز عن التراثيين أو مشايخنا يتميزون عن التراثيين بأنهم معاصرون لمشكلاتنا، فالتراثى يتعامل مع مشكلات سقفها المعرفى بحدودها، ولذلك فنحن ينبغى أن نأخذ من التراث ما يتناسب مع واقعنا ومشكلاتنا، فتجديد الفكر الدينى ليس بدعة، فالتجديد استجابة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

< بما أنك رجل علم ما موقف الدين من العلم والعلم من الدين؟ وهل هناك انفصام بينهما؟

<< مشكلتنا أننا نرث مشكلات الغرب، فالانفصام بين العلم والدين فصام كنسى من العصور الوسطى فى أوروبا، عندما بدأت الاكتشافات العلمية فى الظهور، وبدأت الكنيسة فى رفضها فانفصل الدين عن العلم، وأصبح هناك عداء بينهما انتشر فى أوروبا ثم صدر إلينا، وعندما وضع الغرب المنهج العلمى استبعد منه أى تأويلات دينية، حتى لا يتكرر نفس العداء الذى نجم عن أن الدين والعلم لا يلتقيان، فالإلحاد المعاصر ما هو إلا إفراز أوروبى، لكن نحن فى العالم الإسلامى نتحمل تبعاته، فمنشأ الإلحاد فى الغرب كان نتيجة لرفض رجال الكنيسة لمفاهيم العلم وما عاناه العلماء من رجال الكنيسة، وأصبح ما يكتشفه العلم ينتقص من رصيد الألوهية، وقد أشرت فى كتبى إلى أن الإلحاد المعاصر صناعة غربية، أما الموجة الإلحادية التى نرصدها فى بلادنا وراءها عوامل نفسية وكلها ينبع من فهم ساذج جدًا لبعض آيات القرآن الكريم. وهذا يبين مدى حاجتنا إلى تجديد الفكر الدينى، فالإسلام محوره العلم، إسلام الرسالات وليس الديانات، فالدين عند الله الإسلام، فهى كلها رسالات متعددة تبعًا لظروف كل أمة، فلماذا اعتبرنا الرسالة الخاتمة هى رسالة للعالمين ولماذا كانت الرسالة المحمدية هى الخاتمة، والإجابة تتلخص فى أن الرسالات السابقة كاليهودية والمسيحية كانت تقوم على المعجزات الحسية، فما منزلة اليهودية دون عصا موسى وشق البحر وما منزلة المسيحية دون الميلاد المعجز للمسيح عليه السلام وإحيائه للموتى وشفائه للمرضى، بدون هذه المعجزات الحسية، فبناء الرسالة لا يتماسك، وعندما يحدث انحراف لأهل الرسالة مثلما حدث مع بنى إسرائيل يرسل المولى عز وجل رسالة أخرى وهى المسيحية، أما الإسلام لا يقوم على المعجزات الحسية، فلا نعلم أن هناك صحابيًا دخل الإسلام بناء على معجزة حسية للرسول صلى الله عليه وسلم، ولعل أكثر معجزة وأكثرها ثبوتًا بنص القرآن الكريم هى معجزة الإسراء، فلن تجد موضعًا للمعجزات الحسية فى الإسلام، لكن الإسلام قام على معجزة عقلية وهى القرآن الكريم، فالمعجزة العقلية باقية وهى العلم، ودليلنا على ذلك الآية رقم 53 من سورة فصلت، حيث يقول المولى عز وجل «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق»، فهذه الآية تقول بوضوح إن آيات الآفاق والأنفس (العلم) هى الدليل على صحة آيات القرآن الكريم، لأن كلمة (الحق) تعود على القرآن الكريم، هذا الإضافة إلى أدلة أخرى أن القرآن بدأ بآيات اقرأ (علّم بالقلم) الكتاب المسطور، فليس غريبًا أن جاءت كلمة آية فى القرآن الكريم بثلاثة معان، إما المعجزة الحسية وإما آية القرآن الكريم (الكتاب المسطور) وإما آيات الآفاق والأنفس (الكتاب المنظور)، فهذا اللفظ واحد عبر عن ثلاثة أدلة ألوهية، فالرسالة الخاتمة تقوم على العلم، فهل بعد أن أسلمنا الله إلى العقل والعلم نحن فى حاجة إلى رسالة أخرى، ولذلك صارت رسالة للعالمين وصارت الرسالة الخاتمة لأنه ليس هناك حاجة إلى رسالة أخرى، وقد يحدث انحراف فى فكرنا، وهنا يأتى دور المجددين وليس رسالات جديدة.

الجماعات الأصولية تريد الهيمنة على نصوص القرآن

< وهل هناك فرق بين دور العلم ودور الدين؟ وما أهم عواقب الانفصال بينهما؟

<< دور العلم هو أن يجيبنا على أسئلة الكيفية (الآلية) ما سبب المد والجزر، ماذا عن الجاذبية، أما الدين فلا يهتم بالآلية بل يهتم بالغائية، أى الغاية من الشىء أى لماذا، فالعلم دوره (كيف) والدين دوره (لماذا)، فالرسالة الخاتمة رسالة خاتمة ورسالة للعالمين، لأن رب العزة أسلمنا فى الاستشهاد عليه إلى أدلة العقل وأدلة العلم. أما عن عواقب انفصال الدين عن العلم، فكما يقول د. عبدالوهاب المسيرى إن النتيجة هى خسارة الإنسان لنفسه، وأشبهه أنا بالمسيح الدجال الذى يبصر بعين واحدة، فيبصر فينا الجانب المادى فقط، ولا يبصر فينا الجانب الروحى، وهذا هو أهم سلبيات الحضارة الغربية التى أنتجت كمًا هائلا لا مثيل له فى الحضارات السابقة من المنجزات لكنها اهتمت بالجانب المادى بعيدًا عن الجانب الروحى، حتى جعلت من الإنسان كائنًا ثلاثى الأبعاد منتجًا مستهلكًا مستمتعًا فقط، أما حقيقة رسالته والمطلوب منه مآله من أين؟ وإلى أين؟ فلا تهتم ليصل الضياع إلى «جئت لا أعلم من أين لكنى أتيت أبصرت أمامى طريقًا فمشيت».

< هناك من يقولون إن سبب التخلف هو التمسك بالدين، فما ردك وكيف ترى محنة أمتنا التى تعيش واقعها الآن؟

<< هذا سؤال متشعب بشدة، أولا لا يمكن القول إن الإسلام أو الدين سبب التخلف، فسبب التخلف هو أننا فارقنا منهج العقل، وتركنا الأخذ بالأسباب، ولا شك أن التفوق والنجاح فى الحضارة له معادلة من التزم بها نجح ومن لم يلتزم بها تأخر، أما محنة الأمة فهناك جوانب خاصة بالدين، وهناك جوانب خاصة بالعلم، وهناك جوانب خاصة بالمنظومة الاجتماعية، فمشكلتنا الآن أننا تشبثنا بظاهر الدين وتركنا جوهره، وتشبثنا بظاهر العلم، فنجد أبحاثا تنشر فى المجلات العلمية ولكن نصيبها من التطبيق والتدقيق والأمانة ضئيل للغاية، وليس مجهولا أن اليهود سبقهم فى جوائز نوبل واضح ومعروف للعالم، وأن هؤلاء الخمسة عشر مليون إسرائيلى إنتاجهم العلمى يفوق إنتاج من تجاوزوا المليار ونصف المليار مسلم، فهذه إحدى مشكلاتنا، العلم والدين، وأنا ممن يؤمنون أن مصر والعالم العربى بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة يراد لها على مستوى العالم أن تظل فى مرحلة لا مرحلة الحياة ولا مرحلة الموت (محلك سر) فهم يدركون أهمية مصر جدًا للعالم، وفى الوقت نفسه يدركون أنه من الخطورة الكبيرة أن تقف مصر على رجليها كما تستحق.

< إذن هل أنت تؤمن بنظرية المؤامرة؟

<< لست من أنظار نظرية المؤامرة من ناحية المبدأ ولكن إذا رأيت المؤامرة بعينى وأنكرتها، فقد شاركت فيها، وهذا عامل آخر فى ضعفنا.

< هل صحيح أن معظم العلماء الماديين فى الغرب ملحدون؟

<< هذه قضية من القضايا التى يطرحها الملاحدة أيضاً، ويروجون لها، فهم يستغلون جهلنا بكثير من الأمور، وما يقولونه غير صحيح، ودليلى أن هناك كتابًا صدر منذ سنوات بعنوان «مائة عام على جائزة نوبل» يرصد جميع العلوم والمجالات، الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام، فوجدوا أن 88,5% منهم مؤمنون، وأن الملاحدة منهم 11% فقط، وهذا يثبت أن هذه الدعوى ليست صحيحة، لكن من المعروف أن الإلحاد صوته عال، ويتحكم فى الإعلام، وقد عملت مع جراحين كبار من مختلف جنسيات العالم من أمريكا والسويد وحتى الهند، وكنا نتحدث فى الدين والألوهية وأرى منهم سعادة بالغة، فالقضية ليست عزوفًا عن الألوهية، فهم لم يتربوا على أن تكون هذه القضية محط اهتمامهم، فالسبب ليس كثرة الملاحدة، ولكن هذه القضية لا تشغل بالهم، وهذا للأسف بدأنا نراه فى كثير من شبابنا، فكثير من الشباب الملحد يرون سعادة بالحياة دون أن يشغلوا بالهم بالألوهية.

< ما موقفك من المعارضين والمخالفين لفكرك من التيارات الإسلامية مثل السلفية، وماذا تقدم لهم من أدلة مقنعة؟

<< الإلحاد مشكلة نفسية وفى الوقت نفسه التشدد الدينى مشكلة نفسية، فالدكتور عدنان إبراهيم المفكر الفلسطينى يقول إن هناك ثلاث سمات للأصوليين، إذا اتسم بها الفكر صنفناه أصوليًا، وأولى هذه السمات: إطلاق النسبى، فالقضايا النسبية بالنسبة لهم، خاصة آيات المتشابهات، فالأصولى يعتبر فهمه لهذه القضايا النسبية التى تقبل الاختلاف فهمًا مطلقًا، وما يخالفه خطأ، السمة الثانية: إرادة الهيمنة، فالأصولى يعتبر أن فهمه للنص هو مراد الله، فهو مأمور أن يبلغ مراد الله للناس، السمة الثالثة: الغاية تبرر الوسيلة، فهم فى سلوكهم هذا من أجل أن يجعل الرأى النسبى مطلقًا، ومن أن يهيمن ويصير رأيه هو الوحيد فى الساحة يسلك الميكافيللية (الغاية تبرر الوسيلة) فقد رأينا الأصوليين من يفسق أو يكفر من يقتنعون بالتطور، وهى نظرية علمية فما دخلها بالتفكير، ووصل بهم الأمر إلى الكذب دائمًا ويرددون على قرائهم ومتابعيهم نظرية التطور سقطت فى الغرب، ومهما تحاورنا معهم ونقدم لهم من أدلة فلا فائدة معهم، لأنه أصولى يعتبر أن فكره هو مراد الله، ولذلك أرى أن الأصولية مشكلة نفسية مثلها مثل الإلحاد، ولذلك فمناظرة هؤلاء المتشددين لا فائدة منها.

< وهل ترى لسقوطنا العلمى وفشلنا أمام الحضارة الغربية أثر فى ظهور هذه الجماعات المتطرفة؟

<< العلاقة تبادلية، فالجماعات المتشددة هى سبب فى التخلف، والتخلف يفرز أناسًا عقلها ضيق تفهم الإسلام فهمًا متشددًا، ولذلك نجد الدواعش نصيبهم من العلم قليل جدًا، فهى علاقة تبادلية، فالتطرف الدينى يؤدى إلى الإرهاب، والدليل أن الإلحاد مشكلة نفسية، فنشأة الإلحاد الحديث بدأت فى أوروبا بعد الثورة العلمية فى القرن السابع عشر، ويرجع ذلك إلى بعض الأسباب النفسية التى من أهمها اضطهاد العلماء وما حققه العلم من إنجازات، فعندما حدثت الثورة العلمية وبدأ العلماء يفسرون ظواهر طبيعية بكيف، وهى الآلية أى بالمنهج العلمى، بعد أن كان رجال الكنيسة يفسرونها بلماذا مثل الزلازل وتسونامى وتفسيرها بأنها عقاب للناس على ما يصنعون، فعندما جاء العلم ليفسر هذه الظاهر رفض رجال الكنيسة ذلك، وأصروا على التمسك بتفسيراتهم، ولو كانوا قبلوا بهذا الفرق لم نكن نرى الموجة الإلحادية التى نعانى منها إلى اليوم، فبالتالى تعصب الكنيسة فى أوروبا أدى إلى الإلحاد.

< ماذا عن رؤيتكم فى تجديد الفكر الإسلامى؟

<< أولا: إدراك أن التراث منتج عقلى بشرى يتناسب مع زمان ومكان ما طرح من أحكام فقهية، ثانيًا: عدم الوقوف عند ظاهر النصوص والنفاذ إلى مقاصدها وإعلاء قيمة المصلحة، ثالثًا: تأكيد أن مفهوم «الحاكمية لله» يكون فى أمر العقيدة أما الأمور المعيشية فالفصل فيها بحديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، ورابعًا: فتح باب الاجتهاد وإعلاء قيمة العقل، وخامسًا: إعلاء قيمة العلم والعمل فى الحياة، سادسًا: التسليم بشرعية تعدد المذاهب الإسلامية وإسقاطها على واقع المسلمين، وإباحة عدم التقيد بمذهب معين ما لم يتعارض اختيار الأحكام مع ثوابت الدين. ولذلك أدعو إلى مصالحة تاريخية بين أهل الجمود فى الفكر الإسلامى مع جميع جوانب الحياة، حتى لا يكونوا سببًا للإلحاد وتكئة للملحدين وفتنة لهم.

< أخيرا.. ما أهم الخطوط العريضة التى دار حولها كتابكم «رحلة عقل» أشهر أعمالك الفكرية؟

<< مناسبة هذا الكتاب أننى قرأت كتابًا بعنوان «هناك إله» لمؤلفه الذى يعد أشرس ملحد فى القرن العشرين وهو أستاذ الفلسفة بجامعة أكسفورد «سير أنتونى فلو» الذى ظل زعيمًا للإلحاد لمدة 60 عامًا، من عمره، وكانت كتاباته مرجعًا وجدولا لأعمال الملاحدة، لكن فى 2004 قالت وكالة إسوشيتدبرس إن «إنتونى فلو» أعلن عن وجود إله بدافع من البراهين العلمية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وامتلأت الساحة بالمعارضين، من زملائه وتلاميذه وتعرض للتهكم والسخرية، واتهم بالخرف، لأنه طاعن فى السن، وقد كتب كتابه «هناك إله» فى عام 2007، وقد قرأت الكتاب وشعرت بأهميته، فترجمته فى النصف الأول من كتابى «رحلة عقل» وكان «فلو» قد وصل فى كتابه إلى وجود إله ولم يصل إلى تبنى ديانة محددة، وأن هناك دينًا وأن الإله يتواصل مع البشر، متبعًا فى ذلك مدرسة «الربوبية» التى تؤمن بأن هناك خالقًا للكون وضع قوانينه وتركه وانشغل عنه بما يليق بالإله وهوذاته، وهو نفس كلام «أرسطو» الذى رغب فى تنزيه الله بهذا الكلام، لكن هذا ليس المفهوم الإسلامى الذى نؤمن به، فنحن نؤمن بالقيومية «الله لا إله إلا هو الحى القيوم» فالإله لم ولن ينفصل عن الكون، أما النصف الثانى من الكتاب فأسميته «نستكمل الرحلة» حول الأدلة على أن السماء تتواصل مع الأرض والإله يتواصل مع البشر وقدمت مقارنة بين الأديان اليهودية والمسيحية والإسلامية. وأخيرا يضع الكتاب فى ميزان العقل رحلة الإنسان فى الوجود المشهود والغيبى كما يعرضها الإسلام لنرى أنه كانت تصل فى حجيتها إلى مصاف الحقائق العلمية.