عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ماذا نعنى بذلك؟ أنه الإنسان المعاصر الذى تم إفراغه وضبطه وكبته بحيث أصبح يتواءم مع الخارج، هو مسير من الخارج وليس من داخله. لقد عبر «ديفيد رايزمان» عن تلك الشخصية.. هو شخص خاو من الداخل.. هو مسيّر من الخارج.. هو يحمل آلة فى داخله تعمل على التقاط كل أشارات الخارج لكى تجعله يتصرف وفق ما يطلب منه.. ويتحدث ويسلك وفق ما هو مرسوم له من الخارج.. غير مسموح له أن يتصرف وفق رؤيته أو رأيه أو تصوره.. ببساطة لأنه لا يملك أى شىء فى داخله.. إنه إنسان الفراغ والخواء، وهذا الأمر هو المقصود.. هو مسير وفق ما يراه الخارج له.. ومن ثم فهو كائن مطيع.. لا رأى له.. لا أهداف له.. لا متطلبات.. حتى رغباته ومتطلباته تمت السيطرة عليها من قبل ذلك الخارج، وعليه فإن تلبية أى متطلبات تحدد من قبل الخارج القادر أن يلبيها، فهو غير قادر، ولا يملك القدرة على العقل أو التصرف أو التغيير. هذا الإنسان لا يريد ولا يرغب أن يتميز أو ينجز، كل ما يريده هو أن يتلاءم مع كل ما هو قائم.. هو يقبل طواعية أن يكون مرآة عاكسة لما يريده الآخرون.. هو مستعد دومًا للاستجابة وتنفيذ ما يطلب منه.. ليس لديه أى قدرة على الاختيار أو الاعتراض.. هو يمتلك داخله آلة الاتزان (الجيروسكوب) وهى دليل على أن هؤلاء يمتازون بتلبية كل ما يطلب منهم دون أدنى ممانعة.. يقول رولو ماى فى كتابه (بحث الإنسان عن نفسه).... إن آلة الاتزان (الجيروسكوب) رمز ممتاز لهؤلاء الناس لأنها تمثل مركز الاتزان الميكانيكى الخالص. وعادة ما يؤثر أناس الاتزان الداخلى الآلى على أطفالهم تأثيرًا سيئًا لأنهم جامدون دوجمانيون وغير قادرون على التعلم ولا على التغيير. وفى تقديرى فإن سلوكيات ومعايير هؤلاء الناس هى مثال جلى على كيفية تبلور بعض الاتجاهات السلوكية لدرجة الجمود فى المجتمع قبل انهيارها. ومن اليسير أن نرى كيف تتكون فترة الفراغ والخواء، فترة الرجال الحديديين بعد انهيار هؤلاء. فلو أخذت آلة الاتزان الداخلى لن تجد إلا الفراغ. 

ومن ثم لن تذرف دمعة على انهيار رجل الجيروسكوب بل ربما يضع المرء على قبره شاهدا مكتوبا عليه «كان ديناصورا، يمتلك القوة ولا يستطيع التغير، والقدرة دون قدرة على التعلم» أن أهم قيمة فى فهم هؤلاء الذين مثلوا آخر عمالقة القرن التاسع عشر هو أننا لن ننخدع بقوته الداخلية المزيفة.

ما يمكن قوله إن ذلك الإنسان هو فى الحقيقة مغترب عن ذاته.. هو غير مدرك لحقيقة ذاتيته وقدراته، لقد تم تغييبه وانفصاله عن نفسه.. هو على هيئة إنسان، لكن فى الحقيقة هو أشبه بالآلة.. تتلقى الأوامر وتنفذها.. وعليه نقول إننا نعيش فى مجتمع إلى فقد كل إحساس بالإنسانية، وإذا فرضنا جدلًا وجود من يوقظها أو يبعثها من مرقدها يتم إبعاده ولفظه من المجتمع المسستم.. المحكم.. فى عالم الجيروسكوب تموت الذات الإنسانية طواعية! 

أستاذ الفلسفة وعلم الجمال - أكاديمية الفنون