عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاوى

دائما أستريح كلما قرأت مذكرات الكاتب الكبير عباس حافظ عن الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، الذى يعد بحق أفضل من تحدث عن هذا الرجل. وكلما أردت أن تستكين نفسى وتهدأ ألجأ إلى قراءة عباس حافظ عن مذكرات الزعيم الولى مصطفى النحاس.

فى حضرة عباس حافظ الذى يتحدث عن زعيم الفقراء مصطفى النحاس، فيقول: «لقد كان موقف مصطفى النحاس حين بُويع بخلافة سعد خطيراً، مرهوباً! أمامه مثال سعد لايزال فى الأذهان مرتسماً، وحياله الخصم الطبيعى وهو الإنجليز لاتزال حقيقة سياساتهم بالنسبة للمفاوضات الجارية فى لندن غير ظاهرة ولا واضحة، وقبالته خصوم الدستور يتربصون الدوائر به، ومنفذو التجارب الاستعمارية يترقبون السوانح للغلبة عليه فكان من ثم طبيعيًا أن يلقى مصطفى النحاس بنظرة أمامه وفيما حوله، ليتأمل ما هو مُقْدِم على اقتحامه، ويستشرف الساحة المترامية على مدى نظره، فيحس عظم التبعة التى ألقيت عليه، وجسامة المسئوليات التى وسدت فيه، ورهبة الموضع الذى تبوأه.

لا عجب إذا هو صارح يومئد الناس بما فى نفسه من ذلك كله، لأنه لم يكن بالرجل المزدهى صاحب الخيلاء، ليس له من ذلك غير الفرح به والتهافت عليه، ولكنه كان من بداية حياته العملية رجلًا متزنًا أريبًا قوى الفطنة، مواجهًا الحقائق، ولا يمس عظمته مَس غرور، ولا يخدعه شىء من الخارج عما فى دخيلة ذاته، وإنما يأبى إلا الصراحة والقول الحق والرأى الجهير.

ولا عجب إذا هو فى يوم مَقْدمه من سفره قد ذهب رأسًا ليزور سعدًا فى قبره، لتكون التحية من وراء الصفائح والجنادل، وبينهما برزخ لا يلتقيان، ولكن روحيهما، على بُعد النوى وطول الشقة، تتجاوبان. وفى وسط سكون رهيب وموقف حزن عميق، والأعين بالدموع سحاحة، والنفوس من جلل المشهد فى خشوع، وقد خيَّم جلال الموت فوق جلال العظمة، وتماثل صمت الحياة بصمت الأبد وقف مصطفى بين نوح يغالبه، وبكاء يتغلب عليه، واصفًا نكبة مصر وأساها، مشفقًا من التبعة ووطأتها، قائلًا بين إجهاش ونحيب:

«كان سعد يحمل العبء عنا جميعاً، وقد ألقاه الآن علينا جميعاً، إن سعدًا يريد منا العمل، إنه يريد من هذه الملايين أن يعملوا، فلنكن جميعًا ملتفين حول روحه، إن روحك يا سعد أمامنا... أنت الإمامُ دائماً.

آه يا سعد!... لقد استرحت يا سعد وتركتنا نتعب، تركت الحمل لأبنائك كلهم، كنت زاهدًا فى الدنيا، ها أنت الآن فى الزهد الأخير، لم تتم بعد مهمتك، ولكن روحك ستتمها معنا. إننا جميعًا على عهدك حتى الممات. وإذا متنا فإن ذرارينا سيقتفون الأثر، سنعمل حتى نصل إلى ما كنت تصبو إليه لتستريح، وقد كنت تعمل ونحن مرتاحون، فإن نلنا المبتغى استرحنا واسترحت، وإن لم ننله واسترحنا، جاهد أبناؤنا من بعدنا.

أختتم حديثى عن النحاس الذى نال منه الخصوم بغير حق، محاولين تشويه صورة هذا الرجل الذى كانت تصرفاته تؤكد أنه كان وليًا من أولياء الله الصالحين قبل أن يكون زعيمًا سياسياً، يقول الراحل الكريم عباس حافظ فى كتابه «زعيم الفقراء.. مصطفى النحاس»: (نشأ مصطفى فى بيت طاهر، ودرج فى ذلك الأفق الساكن الوديع، فاكتسب الاستقامة، وحرص على الصلاة).

وبذلك لا أكون مبالغًا إذا قلت إن النحاس الزعيم لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتخلى عن هذه المبادئ وتلك النشأة حتى وفاته.. ولعن الله كل من تجرأ على هذا الرجل العظيم وحاول النيل منه.