رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل يمكن للقارئ أن يثق فى كاتب ينسب لنفسه بطولات فخيمة ونضالات مبهرة تأخذ الألباب، وتجلب الدمع الهتون، وكل شهود وقائع تاريخه النضالى المزوعم، هم من الموتى؟ أو ليس من النقائص المهنية والأخلاقية أن ينسب كاتب لغيره من الراحلين، أفعالا مشينة، لو صحت لازدرت بهم، لا لشىء إلا لكى يعلى من شأن نفسه، وينسب إليها شجاعات معارك نضالية، لم يسبق لأحد العلم بها، فيخدم شلته وعشيرته، ليردوا له الخدمة بأحسن منها، حتى لو اجترأ على الحقيقة وزيف التاريخ؟ وما كل هذه التخمة التى أتعستنا بكتابات ركيكة تحفل بالادعاء والسطحية والسطو على جهود آخرين، تلملم مادتها من نميمة المقاهى وشائعات مجالس تزجية الوقت، ونهش الحياة الخاصة لخصومهم ومنافسيهم، وإضفاء ما ليس فيها عليها، من خيال مريض مختال بجهله، ومولع بثقة مفرطة فى النفس، ثم لا يتحرج من أن ينسب تصفية تلك الحسابات الشخصية مع من غابوا، ولا يملكون القدرة على التصحيح، إلى الفن والأدب والإبداع والسيرة الذاتية؟

تلك واحدة فقط من آفات الوسط الثقافى والسياسى فى بلادنا، الذى غدا فى معظم فصوله، مسرحا للرياء والتجنى، ومبادلة المصالح، والافتقاد الفاضح للنزاهة العقلية، وللكتابة الخالصة لوجه الله، وبات جديرا بوصف شاعرنا «نجم» شيلنى وأشيلك!

كان للناقد الكبير الراحل «فاروق عبدالقادر» تعبير بليغ، يصف به أعمال أنصاف الموهوبين ممن ينسبون أنفسهم للكتابة الإبداعية، بأنها «أدب التلسين السياسى». والتلسين على الغير فى قاموس اللغة، يعنى التحدث عنهم بالسوء وهؤلاء يحظون برواج، يصنعه إدراكهم بشغف القارئ العادى بالتلصص على شخصيات الحكاية وكاتبها، ودوافع أفعالها وأفعاله، والأزمنة التى تتحدث عنهما، لا سيما إذا كانت الحكاية تستحضر شخوصا من الواقع السياسى والثقافى، ينسب إليها ما هو شائع من أدوار لهم فى الحياة العامة، وما هو خوض فى الأعراض، بما يلبى لهفة القارئ لفك شفرة التلسين الواردة فى الحكاية، وهوس المضاهاة بين الشخوص المتخيلة والشخوص التى تمثلها فى الواقع، لكن ذلك الرواج يظل مؤقتا، والشعبوية التى يحظى بها هذا النوع من الكتابة الخالى من الصدق والروح، سرعان ما تنطفئ، لأن التلسين وحده لا يصنع فنا ولا إبداعا!

وعلى طريقة التلسين السياسى، وإدعاء شجاعة فى غير موضعها، يكرر البعض هذه الآونة فى إصدارات ومواقع ثقافية، قصة العلاقة التى ربطت بين «رجاء النقاش» و«أحمد فؤاد نجم» لينتهى إلى القول إن «رجاء النقاش» قد سعى لشراء ظاهرة نجم إمام لصالح نظام عبدالناصر، وهى حكاية يشهد على تلفيقها وزير الإعلام آنذاك السيد «محمد فايق» أمد لله فى عمره. وما فعله رجاء النقاش هو نفس ما فعله مع قرار بحجب أغانى «فيروز» و«نزار قبانى» ومنعهما من دخول مصر. وكان رأى «رجاء النقاش» أن دولة تسعى للتقدم والبناء، لا يجب أن تدخل فى خصومة مع الموهوبين، حتى لو طالها نقدهم. وكان اقتناع وزير الإعلام بهذا المنطق وراء استضافة برنامج شريط تسجيل، كان «رجاء النقاش» يقدمه فى التليفزيون «للشيخ إمام»، ليتعرف الجمهور، خارج نطاق المثقفين للمرة الأولى، على ظاهرة إمام ونجم الغنائية والفنية.

ويروى نجم فى مذكراته أنه بمجرد إذاعة برنامج شريط تسجيل، انهالت الرسائل على مبنى التليفزيون تسأل عمن يكون الشيخ إمام، واحتضنته الفنانة «شريفة فاضل» وطلبت أن تغنى له عشق الصبايا. ويضيف «تفتحت علينا شبابيك الدنيا الواسعة، ونجح بعض الصحفيين فى الوصول إلى مجاهل حوش آدم.. وارتفع معدل الدعوات الخارجية بصورة مذهلة»، وقد ظلت العلاقة الطيبة ممتدة بين نجم ورجاء النقاش حتى رحيل الأخير فى فبراير 2008.

الحانقون والعدميون والباحثون عن دور على جثث آخرين، لا ينطقون بالصدق، ولا يغردون، بل ينعقون، والأفضل لنا ولهم أن ينقطونا بسكوتهم!