رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

فى النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضى كتب الدكتور يوسف إدريس مقالًا جسورًا فى الأهرام وضع له عنوانًا صارخًا: (أهمية أن نتثقف يا ناس)، أذكر ذلك جيدًا، حيث راجت الأعمال (الفنية) الساذجة من جهة، وشاعت فى مصر المحروسة الأفكار السطحية والمتشددة من جهة أخرى، الأمر الذى جعل الكاتب الفذ يحذر المصريين من أن تراجع المستوى الثقافى للشعب ينذر بمستقبل بائس، على أساس أن الثقافة الجادة المستنيرة هى التى تنهض بالأمم وتهذب السلوكيات وترقق المشاعر.

تذكرت هذه الصرخة الصادقة من يوسف إدريس عندما لاحظت أن فضيلة التعفف فى تراجع واضح لدى بعضنا، وأن هناك من لا يتورع عن التكالب المرذول على مغنم هنا أو هناك بصورة لا تليق بشعب عظيم مثل شعبنا الذى شرع فى بناء حضارة مذهلة منذ خمسين ألف سنة تقريبًا، وليس سبعة آلاف كما هو شائع، وتلك قصة أخرى قد أعود إليها يومًا.

لاحظ أن فضيلة التعفف تتجلى فى أمور كثيرة لعل من أبرزها... عفة اللسان، فقد بات مؤسفا أن نسمع ونقرأ ونرى ألفاظا بذيئة تتردد على ألسنة أناس تلقوا الكثير من العلم بعد أن درسوا فى الجامعات وعملوا فى وظائف مرموقة، لكن اللسان مازال يسبح فى مستنقع العبارات الغليظة والسباب الكريه والتطاول البغيض عند أول اختلاف فى الرأى.

فى ظنى أن عفة اللسان والسلوك المهذب يعودان إلى عدة عوامل أهمها التنشئة الأولى فى الأسرة والمدرسة والجامعة، فإذا كانت البيئة المحيطة تتسم بالذوق الرفيع والتعامل العفيف مع الآخرين، فسينعكس ذلك على سلوك الأبناء وألسنتهم، لكن هناك عاملًا آخر بالغ الأهمية، وهو المستوى الثقافى للإنسان، وبالتحديد مدى علاقته بالأدب والفن، ذلك أن الفن، بمعناه الشامل، هو أكبر محرض على تهذيب السلوك البشرى وترقيق المشاعر وضبط اللسان، ويبدو أن الاهتمام بالفنون الجادة الرفيعة الجميلة فى تراجع مؤسف.

أعرف أيضًا أن شحوب فضيلة التعفف قد تعود إلى ضغوط الحياة اليومية وتحديات الزمن الصعب، الأمر الذى يدفع بعض الناس إلى ابتذال كرامتها وإهانة كبريائها من أجل الظفر بمكسب هنا أو هناك، أو الفوز بتقدير من هذه المؤسسة أو تلك الجهة، لكن الأمل معقود دومًا فى عنق أولئك الكبار الذين يتعففون ويترفعون وما أكثرهم فى مصر المحروسة، فهم يمثلون القدوة التى يجب أن تحتذى.

أذكر أن الناقد الراحل الأستاذ فاروق عبدالقادر (1938/ 2009) كتب مرة مقالا جريئا ينتقد فيه أحد (كبار) المسؤولين فى وزارة الثقافة فى زمن مبارك لأنه استغل كونه رئيس تحرير مجلة مسرحية، ونشر عدة مقالات تمتدح المسرحية التى كتبها هذا المسؤول، إذ قال فاروق متعجبًا (كيف تسمح أن تنشر فى مجلة أنت رئيسها عدة مقالات تمتدح مسرحية أنت كاتبها؟) وقد وضع عنوانا دالا لمقاله الجسور هذا هو (الصغار لا يتعففون).

فى أيامنا هذه ما أحوجنا إلى أن نتثقف وأن نتعفف.