رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رودينا ومنال ليسا آخر الضحايا:

التنمر قتل مع سبق الإصرار

التنمر
التنمر

التنمر واحدة من أخطر الآفات التى تهدد سلامة وأمن أفراد المجتمع وتؤثر عليه بشكل كامل، إذا ما يتم ردعها ومواجهتها والتخلص منها، فتلك الظاهرة تسببت فى أضرار نفسية وجسدية للكثيرين بدعوى المزاح أحياناً والتكبر والإنكار والاستنكار والعنصرية فى أحيانٍ أخرى وأصبحت تهدد المجتمع كله.

وللتنمر أشكال وألوان كثيرة ومتنوعة، فهناك التنمر المدرسى وهو ذلك النوع من التنمر الذى يحدث فى أماكن الدراسة، سواء كانت المدرسة أو الجامعة، وهذا النوع يحتاج إلى وضع الطلاب تحت رعاية جيدة لحمايتهم من التعرض لمثل هذه الأفعال، والحد منها قبل تفاقمها سواء كانت لصالح المتنمر عليه أو حتى المتنمر ذاته، حتى لا تعيش معه هذه الآفة الأخلاقية وتضره وتضر المجتمع كله، وكان أبرز ضحايا التنمر الطالبة رودينا أسامة التى قتلها التنمر وأصيبت بأزمة قلبية من القهر الذى شعرت به وتوفيت بعد تنمر زميلاتها بالمدرسة عليها ومعايرتها بسبب شكلها.

 

وهناك التنمر الذى يحدث فى أماكن العمل بين العمال وبعضهم لأسباب متعددة، كما أن هناك تنمراً إلكترونياً يحدث من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، فقد استغل الكثيرون مهارتهم فى استخدام التقنيات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى ليتبعوا سلوكيات كالتهديد أو الترهيب أو السخرية أو الازدراء أو الإذلال أو نشر أكاذيب أو إطلاق الشائعات، وينطوى الأذى داخل المزاح، من أجل الشهرة أو تحقيق مكاسب شخصية سواء كانت مادية أو اجتماعية أو انتقامية أو تحريضا على أعمال وسلوكيات خاطئة وغيرها.

 

 أما أخطر أنواع التنمر فهو التنمر الأسرى لأنه أكثر أنواع التنمر تأثيراً على نفسية الشخص الواقع عليه فعل التنمر، لأنه يحدث من أقرب الأشخاص إليه وهذا يحدث بين الأشقاء وبعضهم، أو من قبل الوالدين أو الأقارب. 

 

وهناك التنمر السياسى وهذا يتم من خلال عدة أساليب، مثل القمع السياسى أو عندما تقوم دولة باحتلال أخرى وتعامل رعاياها بشكل سيئ.

 

ولم يعد التنمر مقصورًا على الأطفال فقط بل تعرض الكثير من الأشخاص له بغرض التقليل منهم أو لفرض السيطرة عليهم، ولعل أبرز وآخر الوقائع كانت التنمر على بطلة إعلان مستشفى أهل مصر للحروق منال حسنى حيث فوجئت بتعليق من أحد الأشخاص الذى لا يعلم عن الإنسانية شيئاً يتنمر فيه عليها بسبب شكل وجهها، معلقاً على ظهورها: «حرام عليك الإعلان المثير للاشمئزاز ده، وعلى فكرة ده لا يساعد أصلاً على التبرع، لما أبقى قاعد أفطر المغرب وتيجى واحدة وشها مشوه كده تسد نفس الواحد المتوقع إيه يعنى»، الأمر الذى جعلها تلجأ للقضاء وتحرر بلاغاً بالواقعة.

 

 سلاح الإعلام 

 

ومن جانبها، قالت دكتور الإعلام بجامعة طنطا ميرفت سليمان إن دور الإعلام مهم ومؤثر للغاية من خلال الرسائل الأخلاقية التى يقدمها، مشيرة إلى المبادرة الهامة التى قدمت خلال الفترة الماضية من خلال الحملة الإعلانية «تجمل بالأخلاق» التى تناولت رسائل أخلاقية مهمة ومنها الابتعاد عن التنمر فى التعاملات اليومية، لأن الكثير من الأفعال السيئة يتم تبريرها بأنها مجرد «هزار»، بينما هى فى الأصل تنمر بالغ الضرر على الآخرين يجب التوقف عنه، لأن عددًا كبيرًا من المصريين يعانون مشكلات نفسية عديدة بسببه، لذلك شددت الحملة على أن السخرية من الشكل أو طريقة التصرفات أو اختلاف الآخر عموما لا يندرج تحت بند «الهزار» المعهود لدى الكثيرين، بل تنمر يؤثر بالسلب فى حياة الآخرين.

وأكدت سليمان على ما قامت به هذه المبادرات من دور فعال وإيجابى فى تغيير وتعديل سلوكيات المجتمع التى نعانى من تدهورها، حيث ركزت هذه المبادرات بشكل كبير أيضاً على سلوك الشباب فى المجتمع. 

 

وأشارت دكتور الإعلام بجامعة طنطا إلى ضرورة استخدام كل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الجديدة والفن أيضاً، لأن الدراما تلعب دوراً مهماً وتأثيرها كبير فى تقديم النماذج الجيدة الصالحة، فالإعلام له دور هام وفعال فى مواجهة القضايا والأزمات والسلوكيات المجتمعية، وهذه المبادرات تساهم فى دعم المجتمع المصرى على كافة المستويات وتساعد على تنمية المجتمع سواء على المستوى الاجتماعى أو الأخلاقى، والهدف أيضاً من جميع هذه المبادرات هو التأكيد على أخلاقنا وعاداتنا التى تربينا عليها، من حسن المعاملة، واحترام الصغير للكبير، والأمانة، وآداب التعامل مع الغير، ورفض السلوكيات السلبية مثل: التنمر والتحرش وغيرهما.

 

صفات المتنمر

 

وبسؤال الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية عن التحليل النفسى لشخصية التنمر، وكيفيه تقوية شخصية ضحايا التنمر وتعزيز ثقتهم بأنفسهم؟ أجاب بأن التنمر شكل من أشكال الإساءة أو الإيذاء الموجه من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد تجاه الأضعف، بمعنى أنه ممارسة نوع من العدوان والإيذاء على طرف أضعف، فالتنمر هو سلوك عدوانى متكرر بهدف الإضرار العمدى بشخص سواء نفسياً أو جسدياً.

وأكد استشارى الصحة النفسية أن ظاهرة التنمر موجودة عبر العصور سواء عن طريق التحرش الجنسى أو العنف البدنى فهو بصفة عامة يعبر عن خلل فى ميزان القوة بين المتنمر وبين الإنسان الأضعف الذى يمارس عليه.

 

وأوضح وليد هندى خلال حديث لـ«الوفد» أن للتنمر عدة أشكال قد تكون جسدية أو عاطفية ويوجد تنمر مباشر بالدفع، الضرب، الصفع، الطعن، أو العض، وتنمر غير مباشر وهو تعرض الضحية للسخرية مثل السخرية من ملابسه أو شكله أو آثاره الشائعات حوله أو الاستهزاء به.

 

وأشار إلى أن الشخص المتنمر هو شخص متحجر الفكر ولا يهمه إلا ذاته، ويشعر بالحقد والحسد تجاه الآخرين وأحياناً يكون نرجسياً ومتكبراً أو قد يكون تعرض للتنمر فى طفولته، وقد يكون شخصاً عدوانياً فى الصغر ولم يجد أحداً يعالج هذا السلوك عنده.

 

ولفت هندى إلى أن أكثر الفئات عرضة للتنمر هم ذوو الاحتياجات الخاصة ويتم التنمر عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التنمر الإلكترونى بوضع صور لهم على وسائل التواصل الاجتماعى والاستهزاء بهم، ما ينتج عنه آثار سلبية خطيرة عليهم، كما يمنحهم شعوراً بالنقص والعجز وعدم التكيف الاجتماعى.

 

وأشار هندى إلى أن الدراسات تؤكد أن 15 إلى 25 طفلاً ينتحرون سنوياً نتيجة تعرضهم للتنمر، لذلك وجّه استشارى الصحة النفسية نصيحة للآباء بضرورة التركيز مع أولادهم والحفاظ عليهم وخصوصاً ذوى الاحتياجات الخاصة، مع ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المتنمر وعمل تجريس اجتماعى له حتى لا يقوم بفعل ذلك مع الآخرين، ولكى يشعر الشخص المتنمر عليه باستعادة ثقته بنفسه مرة أخرى.

 

وأردف هندى قائلاً: إن الدراسات تؤكد أن طفلاً من كل أربعة أطفال يمارس عليهم التنمر يوميًا، لذلك فمن الضرورى تدريب النفس على مواجهة التنمر والمتنمرين، بتجهيز قائمة بالردود المناسبة فى أى موقف يتعرض فيه الطفل للتنمر سواء بسبب شكله أو لغته أو دينه أو ملابسه أو لقبه ليكون قوى الشخصية، ويجب على أولياء الأمور أن يدربوا أولادهم على جملة «ماذا لو»، أى ماذا لو سخر منك شخص أو رفض الأطفال اللعب معك أو أى شىء من هذا القبيل، مع ضرورة بناء ثقة الطفل فى نفسه.

 

عقوبة التنمر 

ووفقاً للمحامى أيمن محفوظ فإن الشخص يعتبر متنمراً إذا استعرض قوة أو سيطرة باستغلال ضعف للمجنى عليه، أو قام باستخدام صفات يعتقد أنها تسىء للمجنى عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعى، أو تخويف المجنى عليه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه مع إقصائه عن محيطه الاجتماعى.

 

وأضاف محفوظ أن عقوبة التنمر تكون بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، وقد يصل التنمر إلى استعراض القوة بحمل أسلحة لترويع المجنى عليه فهنا تصل العقوبة إلى سنة إذا قام بها الجانى منفرداً أو تصل إلى ٥ سنوات إذا كان بالاشتراك مع آخرين طبقاً لنص المادة ٣٧٥ و٣٧٥ مكرر المعدلة بالقرار بقانون رقم ١٠ لسنة ٢٠١١.

 

وأوضح المحامى أيمن محفوظ فى حديثه لـ«الوفد» أنه فى حالة العودة لنفس الفعل تتضاعف العقوبة فى حديها الأدنى والأقصى، كما أكد أن التنمر جريمة سلوكية وأخلاقية قبل أن تكون جريمة جنائية، لافتًا إلى أن التعصب لفصيل معين من المجتمع، مثل الدين أو الجنس أو اللون شكل من أشكال الجرائم.

 

وتابع: نصيحتى قبل أن نطالب بتفعيل القانون وتشديده على الجناة فلا بد من غرس أصول الدين السليمة ومبادئ الرحمة والإنسانية فى نفوس أطفالنا وشبابنا وترسيخ مبدأ أننا جميعاً إخوة فى الإنسانية، ومعاقبة المتنمرين المتعصبين بكافة أشكال العقاب، فالتنمر مرض العصر، ويجب أن يكون القصاص والعقاب الرادع متزامناً مع التوعية بأضرار هذا السلوك الإجرامى.

 

الدين يرفع لواء الحرب على التنمر 

من الناحية الدينية قال الدكتور أحمد متولى سعد الأستاذ بكلية التربية بجامعة الأزهر إن التنمر من الظواهر السلبية الحديثة باسمها، القديمة بمضمونها، والتى عكف المتخصصون على دراستها وكيفية معالجتها؛ لما له من آثار سلبية على المجتمع. والتنمر هو سلوك عدوانى مقصود لإلحاق الأذى الجسمى واللفظى والنفسى بالآخرين، ويحصل من طرف قوى مُسيطر تجاه طرف ضعيف لا يتوقع أن يرد الاعتداء، ولا يتبادل القوة بالقوة، ويعد التنمر مشكلة اجتماعية خارجة عن آداب الشرع والعُرف ونظم الرقى وقواعد التحضر، لما يترتب عليها من سلبيات من شأنها إلحاق الضرر بالآخرين أفرادًا أو مؤسسات.

 

وأضاف سعد خلال حديثه لـ«الوفد» أن الإسلام هَذَّب السلوك الإنسانى حتى يكون مصدر خير للآخرين، ونهاه عن السلوك العدوانى الذى يخرج به عن إطار الفطرة السليمة، كما أعلى الإسلام من شأن الإنسان وبيَّن حقوقه، وأوجب على المُسلم أن يحترم هذه الحقوق ولا يتعدَّاها بأى حال من الأحوال، ويعد التنمر بأشكاله المتعددة هو إساءة للآخر تُنقص من قدره ومكانته، وتنتهك حقوقه، وهى أمور مُحرَّمة فى الإسلام ومُنكرة، ولقد ورد فى القرآن الكريم العديد من الآيات التى تنهى عن التنمر أو السخرية من الآخرين، وتأمر بحسن معاملتهم؛ فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. كما قال تعالى: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ»، والهمز بالفعل واللمز بالقول.

وأوضح سعد أنه لا بد من مواجهة ظاهرة التنمر وذلك ببناء نظرية تربوية إسلامية معاصرة، لأن الإسلام هو دستور كامل وشامل للحياة ينظم حياة الفرد والمجتمع ويهتم بجوانب الفرد الشخصية، والاجتماعية، والنفسية، والعقلية، والأخلاقية، والروحية، والإيمانية كافة، كما أن الإسلام قد وضع مبادئ شاملة لنبذ السلبيات المجتمعية -ومنها التنمر-، وذلك من خلال تنمية الأخلاق الفاضلة، فلقد لخص لنا النبى، رسالته فى جملة واحدة قائلاً: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخْلاقِ»، كما أن الامتثال بالأخلاق الفاضلة يُحقق للمسلم السعادة فى الدنيا والآخرة، والبعد عن الأخلاق هو انحطاط وذل يعترى صاحبه فى الدنيا والآخرة. ولقد حذر النبى، من تدنى الأخلاق فقال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إلى وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إلى وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ ‏وَالْمُتَفَيْهِقُونَ». والثرثار هو الكثير الكلام والمتشدق الذى يتطاول على الناس فى الكلام ويتنمر عليهم. كما قال: «مَا مِن شَيءٍ أَثقلُ فى مِيزانِ المُؤمنِ يومَ القيامةِ مِن خُلقٍ حَسنٍ، وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذىءَ». كما يعد الخلق الحسن دليلًا على كمال الإيمان، فقال رسول الله: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إيماناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». وحتى يتمكن المجتمع من مواجهة التنمر والحد منه فلابد من إرساء قيم المشاركة بين كافة مؤسسات المجتمع «الدينية والتعليمية والإعلامية والقضائية والتنفيذية»؛ لأن الواقع يتطلب أن يخرج البديل والحل من المجتمع ككل ولا تنفرد به مؤسسة معينة دون أخرى.