بدون رتوش
حتى الآن أخفقت كل المحاولات لوقف الحرب الضروس التى تدور رحاها فى السودان بين كل من الفريق «البرهان» قائد الجيش السودانى، وغريمه «حميدتى» قائد قوات الدعم السريع. حرب شرسة لكونها صراعا على النفوذ، فكل منهما يريد أن يكون هو الرئيس الذى يشار إليه بالبنان، ولهذا فإن الصراع سيظل قائما، وستستمر المناوشات العسكرية مستمرة فى محاولة كل طرف لإخضاع الآخر والفوز بمقعد الرئاسة.
لقد حلقت طائرات الجيش بكثافة فى الخرطوم لاستهداف مرتكزات قوات الدعم السريع. كما أن قوات الاحتياطى المركزى التابعة للشرطة انتشرت فى جنوب الخرطوم وأم درمان مع استمرار الاشتباكات فى وسط الخرطوم حيث أصبحت المنطقة مثيرة للقلق العارم بالكامل. كما أن هناك استهدافاً جوياً لتمركزات الدعم السريع بالقصر الجمهورى والقيادة العامة بالخرطوم. كما أظهرت لقطات جوية تصاعد أعمدة الدخان بعد استهداف مواقع للدعم السريع فى منطقة بحرى حيث اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بمهاجمة قواتها عن طريق شن قصف عشوائى على عدد من مواقع تمركزها وبعض الأحياء السكنية التى لم تسلم من الأضرار التى لحقت بها جراء ذلك.
رغم ما تم الإعلان عنه من أكثر من هدنة إلا أنها فشلت جميعها فى وقف حرب الاستنزاف، ليتبادل الطرفان الاتهامات بالبدء فى شن العمليات العسكرية ضد بعضهما البعض، فبادرت قوات الدعم السريع واتهمت الجيش بقيامه بالقصف بالمدافع والطائرات منذ فجر الخميس الماضى بما يشكل تجاوزا سافرا للأعراف والقوانين الدولية والإنسانية. بالمقابل اتهم الجيش قوات الدعم السريع بقتل خمسة من قوات الشرطة وجرح أربعة آخرين فى الخرطوم. وكانت المعارك العنيفة قد اندلعت فى الخرطوم، وشوهدت انفجارات فى محيط القصر الجمهورى والقيادة العامة. حيث تشهد الخرطوم اشتباكات هى الأعنف منذ بدء الصراع فى السودان. كما شهدت العاصمة تحليقا للطيران الحربى، فضلا عن وجود إطلاق كثيف لقذائف المدفعية فى أم درمان.
لقد أكد الجيش السودانى وجود اشتباكات منذ فجر الخميس الماضى وتدمير عربات قتالية لقوات الدعم السريع. فيما أظهرت صور جوية حريقا فى مطار الخرطوم الدولى جراء المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع. سبق أن وافق الجيش السودانى على اقتراح منظمة «الإيفاد» بتمديد الهدنة لمدة أسبوع وتسمية ممثل من كل طرف للتباحث حول الهدنة مع الآلية رفيعة المستوى المكونة من رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتى. ويومها قال الجيش فى بيان: «إن هذا الحوار سيجرى فى أى دولة يتم التوافق عليها مع الآلية». ولكن وللأسف لم يسفر الأمر عن شىء. ولهذا بادر الأمين العام للأمم المتحدة فأبدى أسفه لإخفاق المنظمة الدولية فى وقف الحرب فى السودان، والتوصل إلى حل حيث أن المعارك المستمرة بين الطرفين تحول دون ذلك، وتقوض كل جهود ترسيخ الهدنة.
ولا شك أن اندلاع هذه الحرب واستمرارها، وفشل الجهود فى وقفها يعود إلى أنها حرب على النفوذ والسلطة، فكل طرف يحلم بالاستحواذ عليها، ولهذا كان إخفاق الأمم المتحدة فى وقفها. مما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة إلى أن يبدى حسرته على استمرار المعارك قائلاً: «إن بلدا مثل السودان عانى كثيرا لا يمكنه تحمل نزاع السلطة بين شخصين». ولهذا كان من الطبيعى أن يستمر الصراع على النفوذ رغم إعلان الهدنة أكثر من مرة، مما أدى إلى أن تسود حالة من الفوضى فى العاصمة الخرطوم منذ أن اندلعت المعارك بين الطرفين فى 15 أبريل الماضى بين الطرفين.
ولقد ازداد عدد قتلى المعارك فى العاصمة ومناطق أخرى خاصة فى دارفور إلى أكثر من 560 قتيلا، وأكثر من خمسة آلاف مصابا وفقا للبيانات الرسمية، ويعتقد أن هذه الأعداد أقل بكثير من الواقع. كما أدت الاشتباكات إلى دفع أكثر من مائة ألف سودانى إلى اللجوء إلى دول الجوار. فى تطور حدا بالكثيرين من كارثة إنسانية قد تطال تداعياتها المنطقة. وتستمر المعارك مندلعة بين الطرفين على الرغم من إعلانهما وقف إطلاق النار عبر أكثر من هدنة، ولكن الهدنة لم تصمد وهذا أمر طبيعى، حيث لا بقاء لهدنة تحت وقع الرصاص، ولهذا لا يبدو أن هناك أملاً فى وقف هذه الحرب التى أبادت ودمرت ونشرت الذعر والرعب والخوف.