حكاوى
بعد سلسلة المقالات التى تحدثت فيها عن ضرورة إصلاح التعليم، وردت إلىّ رسائل كثيرة من القراء الأعزاء، تطالبنى بإعادة الحديث عن هذه المنظومة التعليمية الفاسدة التى تحتاج إلى إصلاح جذرى وفورى وفى اسرع وقت ممكن، من خلال التدخل السريع من الدولة المصرية لوقف المهازل التى تتعرض لها العملية التعليمية، على مدار ما يزيد على الخمسين عامًا الماضية. وأعتقد اعتقادا راسخا أن الوزير رضا حجازى لا يختلف معى فى هذا الرأى، وأعتقد أيضا انه آن الآوان لتفجير قضية هذا التعليم الفاسد وضرورة إصلاحها، لانه لا يجوز بأى حال من الأحوال فى ظل كل هذه الإنجازات العظيمة والضخمة التى تحققت أن نهمل التطوير المطلوب للعملية التعليمية داخل البلاد.. ففى ظل كل هذه الأمور لابد من إصلاح حقيقى للتعليم فى مصر خاصة التعليم قبل الجامعى وكذلك التعليم الجامعى.
فعلاً العملية التعليمية فى مصر التى تعانى فسادًا منقطع النظير، لا يمكن أن ينصلح حالها أبدًا فى ظل إصلاح مستورد لا يتوافق مع الواقع الذى تعيشه مصر. وقلت من قبل إن اصلاح التعليم يعتمد على ثلاثة محاور مهمة، وهى المناهج الدراسية والمعلمون والمدارس، وهى جميعًا تحتاج إلى انقلاب بحيث يتم التخلص من سلبيات هذا الثالوث، ومن خلال تغيير جذرى شامل فى المناهج والنظام المعمول به فى المدارس، وإعادة تأهيل المعلمين، بما يواكب الواقع الجديد.
الانقلاب المقصود فى العملية التعليمية يعنى وضع استراتيجية بعيدة المدى لا ترتبط أبدًا بوجود الوزير، وإنما تكون معتمدة على فترة زمنية قد تطول ومن خلال هذه الاستراتيجية يتم إحداث التغيير المطلوب، قد يبدأ معه الوزير الحالى، وينتهى طبقًا للبرنامج الموضوع مع عدد من الوزراء الذين يأتون من بعد الوزير. المطلوب أن تكون هذه الاستراتيجية بعيدة المدى من أجل نسف العملية التعليمية الحالية الفاسدة واستبدالها بأخرى تتواكب مع الواقع الجديد المعاش.
محمد على باشا عندما أراد أن يؤسس للدولة الحديثة التى أنشأها، وضع الاستراتيجية وعمل على تطبيقها وتفعيلها، وحدد لها فترة زمنية من خلال انقلاب فى موازين التعليم واعتمد فى هذا الصدد على البعثات التعليمية بالخارج التى نقلت العلم إلى مصر. وما تحتاجه مصر حاليًا، هو التعامل مع النظام التعليمى من خلال المحاور الثلاثة التى ذكرتها، فالمناهج الفاسدة التى تدرس بالمدارس، وتخرج متطرفين وتكفيريين يجب أن تزول إلى غير رجعة وهذه المناهج التى تعتمد على الحفظ والتلقين وتلغى إعمال العقل فى التفكير، وتخرج أفرادًا غير صالحين لخدمة الوطن والمجتمع.. وهكذا فإن المناهج المصرية التعليمية التى أصابها العطب والفساد لابد من نسفها وإعادة النظر فيها، واستبدالها بأخرى سليمة وصحيحة تخرج مواطنًا صالحًا للمجتمع.
أما المعلمون فحدث عنهم ولا حرج، فهؤلاء فى حاجة شديدة إلى إعادة تأهيلهم وتطويرهم، وكلنا يعلم أن غالبية معلمى مصر تنقصهم خبرات كثيرة، وبات همهم الأول والأخير على منح الدروس الخصوصية، وتثقيف التلاميذ على طريقة الامتحانات فقط ولا غير، ولا يوجد أدنى اهتمام بما يحمله الطلاب من علم وتفكير. وهذا المحور يحتاج إلى جراحة عاجلة فلا تطوير للمناهج بدون تأهيل المعلمين أصلاً.
أما المحور الثالث فهو المدارس ذاتها التى يتلقى فيها الطلاب العلم، ومن غير المنطقى أو المقبول أن يصل عدد التلاميذ فى الفصل الواحد إلى مائة تلميذ، خاصة فى الريف. هذا هو واقع التعليم وحاله ووزير التعليم يدرك هذه الحقائق المريرة ويتعامل معها.
كل رسائل القراء تناولت هذه المحاور بشكل تحليل رائع. وهذا يدعونا إلى أمر مهم وهو لماذا لا يكون هناك حوار مجتمعى حول تطوير التعليم فى مصر وبرعاية الوزير نفسه للوصول إلى حلول للمشاكل التعليم.. هذه القضية لا تخص الوزير بمفرده ونظلمه لو تركناه وحيدا فى هذا الخضم بل لابد من حوار مجتمعى يشارك فيه أهل العلم والخبرة من أجل الوصول إلى حلول للمشاكل المتراكمة من عقود مضت.