رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

مرت منذ أيام الذكرى «104» لثورة 1919 التى اندلعت يوم الأحد 9 مارس عندما خرجت الجماهير المصرية للشارع احتجاجًا على اعتقال ونفى الزعيم سعد زغلول وزملائه، واستمرت الجماهير فى الشارع لعدة شهور، جاءت هذه الثورة العظيمة انعكاسًا لحالة النضج الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى حققته مصر والتى تواكب معها نمو الوعى الوطنى لدى الجماهير. لقد اشتعلت الثورة بعد أكثر من مائة عام من إدخال التعليم الحديث إلى مصر وبعد سبعين عامًا من قيام رفاعة الطهطاوى بتأليف تخليص الابريز فى تلخيص باريز، وبعد أكثر من أربعين عامًا على إتاحة التعليم للنساء، وبعد عشرين عامًا من قيام قاسم أمين بتأليف كتابيه تحرير المرأة والمرأة الجديدة.

لم تتوقف المظاهرات إلا بعد تراجع انجلترا وقامت بالافراج عن سعد زغلول وزملائه، وأعلنت أنها مستعدة للتفاوض بشأن استقلال مصر، وسمحت لوفد سعد زغلول بالسفر إلى مؤتمر السلام بباريس حتى حصلت مصر على استقلالها من الاحتلال البريطانى.

نجحت ثورة 1919 فى أن تجعل بريطانيا تعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة بعد إلغاء الحماية البريطانية على مصر فى تصريح 28 فبراير 1922، كما نجحت الثورة فى وأد مشروع وضع سلطة التشريع فى مصر فى يد الأجانب مثلها مثل المستعمرات البريطانية، وجعلت الدستور نظامًا للحكم، بعد إعلانه عام 1923، وهذا الدستور فضلاً عن تقريره سلطة الشعب وحقه الشرعى فى حكم نفسه بنفسه، فإنه قرر حقوق المصريين وحرياتهم السياسية والشخصية، كما أن الثورة تعتبر حدًا فاصلاً بين عهد وعهد، بين نظام قديم قوامه إلغاء سلطة الأمة حكمًا وفعلاً وإلزام الحكومة الأهلية باتباع النصائح البريطانية وبين دستور يقرر سلطة الأمة ويحد من سلطة الفرد ومن التدخل الأجنبى.

وتألفت من الثورة صفحة مجيدة من البطولة والتضحية، جديرة بأن تحيى فى النفوس روح الاخلاص للوطن، هذه الروح التى هى عدتنا فى النضال والكفاح، وهؤلاء الشهداء (شهداء ثورة 1919) جادوا بحياتهم، وغرسوا فى نفوس مواطنيهم على تعاقب الأجيال روح الجهاد الخالص لله وللوطن. كما حدث بعث اقتصادى فى أعقاب الثورة فظهرت دعوة الزعيم الاقتصادى طلعت حرب لتأسيس بنك مصر، وهو ما حدث عام 1920. كما كان لثورة 1919 أثرها فى تطور النهضة الاجتماعية وسلك المجتمع مراحل العمل والنهوض، فبدأ الشباب كما يقول عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919» يؤلفون الجماعات والنوادى الرياضية، وتألفت فرق الكشافة المصرية فى المدن والأقاليم، وتأسست جمعية الكشافة فى ابريل 1920، كما كان للثورة أثرها فى النهضة النسائية.

استمدت ثورة 1919 قوتها من النضال الذى كان يقوده الشعب المصرى العظيم برغم الظروف المعيشية الصعبة التى وضعها الاحتلال على الشعب المصرى، فكانت أول ثورة فى افريقيا والشرق الأوسط بقيادة الزعيم سعد باشا زغلول. وترجع أسباب قيام هذه الثورة العظيمة إلى ما كان يعيشه الشعب المصرى من ظلم واستغلال خلال أربع سنوات عمر الحرب العالمية الأولى، ففى الريف كانت تصادر ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول لأجل المساهمة فى تكاليف الحرب، كما حرضت السلطات العسكرية البريطانية على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التى تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار بخسة، وتم تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسرى للمشاركة فى الحرب فيما يسمى بـ«فرقة العمل المصرية» التى استخدمت فى الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال فى سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا، فنقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطورت أحيانًا إلى ممارسات عنيفة تمثلت فى النهب والتخريب، ولم تفلح إجراءات الحكومة لمواجهة الغلاء، مثل توزيع كميات من الخبز على سكان المدن أو محاولة ترحيل العمال العاطلين إلى قراهم، فى التخفيف من حدة الأزمة، كذلك تعرض العمال ونقاباتهم لهجوم بسبب اعلان الأحكام العرفية وإصدار القوانين التى تجرم التظاهر والإضراب.

وقام الزعيم سعد زغلول بإنشاء الوفد المصرى للدفاع عن قضية مصر، وفى 6 مارس استدعى الجنرال وطسن قائد القوات البريطانية سعد زغلول وأعضاء الوفد لمقابلته، وقام الجنرال وطسن بتحذيرهم من القيام بأى عمل يعيق الحماية البريطانية على مصر، واتهمهم بتعطيل تشكيل الوزارة الجديدة مما جعلهم عرضة للأحكام العرفية. وأرسل سعد زغلول احتجاجًا إلى لويد جورج رئيس الوزارة الانجليزية، أعلن فيه أنه يطلب «الاستقلال التام» لبلاده وأنه يرى فى الحماية عملاً دوليًا غير مشروع، وفى 8 مارس، أمرت السلطات البريطانية باعتقال مجموعة الوفد وحبسهم فى ثكنات قصر النيل.. ثم تم نفيهم فى اليوم التالى إلى جزيرة «مالطة» وانتشرت أخبار النفى يوم الأحد 9 مارس 1919 مما تسبب فى بدء مظاهرات الاحتجاج فى القاهرة والمناطق الكبرى. استمرت الأحداث حتى 6 أبريل وأصدر السلطان فؤاد قرارًا بنشره فى الوقائع المصرية وكافة الصحف بالكف عن المظاهرات والهدوء والسكينة، وفى اليوم التالى 7 ابريل أعلن الجنرال اللنبى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه وتمكين المصريين من السفر للخارج لطرح قضية الاستقلال، فقامت مظاهرات كبيرة، ولكن تعدى الجنود البريطانيون على بعض المتظاهرين بالقرب من فندق «شبرد» وقتل خمسة وجرح أربعة أشخاص.

وللحديث بقية