رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلمة «بَزْرَمِيط» من الكلمات العامية التى دخلت حياتنا اليومية، وقد ذكرها محمد دياب بك، أحد المفتشين فى نظارة المعارف المصرية فى كتاب صدر عام 1919، جمع فيه الألفاظ الحديثة التى جرت على لسان المصريين نتيجة مخالطتهم أمماً أخرى كالفرس والترك والإفرنج، وصنف كلمة «بَزْرَمِيط» ضمن تلك الكلمات الناتجة عن التحريف أو التصحيف أو مجهولة الأصل، ومعناها مولود بين نوع وآخر، فعندما يكون الزوج من طبقة أعلى من الزوجة يكون المولود «هجين»، وإذا حدث العكس يكون المولود «مقرف»، وإن حدث تزاوج بين عرقين مختلفين مثل أبيض وأسود يكون المولود «خلاسى» أى «مخلط».

وهناك من أرجع كلمة «بَزْرَمِيط» إلى الكلمة الفرنسية «Bizzare بمعنى غريب، و«MÉTIS» بمعنى غير متناسق، وكانت كلمة «بَزْرَمِيط» من ضمن ثلاثين كلمة اقترحها الأستاذ محمود تيمور (1894- 1973) على مجمع اللغة العربية لإدراجها فى معجمه.

الخلاصة أن كلمة «بَزْرَمِيط» تدل على اختلاط الأشياء غير المتجانسة مع بعضها وما ينتج عن هذا الاختلاط، وهذا مربط الفرس الذى أقصده، ونتحدث عنه، وليس مربط «البغل» الناتج عن تزاوج الفرس والحمار كما تشير كلمة «بَزْرَمِيط»!!

كانت المقدمة السابقة ضرورية للحديث عن عدد من حالات الارتباط غير المتناسقة وتأثيرها علينا، والتى يمكننا أن نطلق عليها- بالفم المليان- «بَزْرَمِيط»، ومنها على سبيل المثال ارتباط «الدولار والجنيه»، والنتيجة السلبية التى أفرزها هذا الارتباط بعد ارتفاع الأول، ما جعل حياة الكثير «بَزْرَمِيط»، فأصبح دخل الفرد، أو ما يطلق عليه البعض مجازاً– هذه الأيام– «الراتب أو الأجرة» فى تناقص مستمر، وأصابه مرض ضعف المناعة فى مواجهة ارتفاع الأسعار، وصارت الندالة إحدى أهم صفات هذا الراتب المكتسبة حديثاً، فلا تجده وقت الشدة والحاجة، يترك صاحبه وحيداً ضعيفاً أمام مجموعة من اللكمات والضربات المتتالية محلياً وعالمياً.. ومع ذلك نلتمس له الأعذار فى محاولة يائسة لعلاجه أو استرداد جزء من عافيته مرة أخرى.. ويرزقنا الله وإياكم طول العمر لنراه كما كان!!

فى سلسلة «البَزْرَمِيط» يقوم عدد من التجار بتخزين بضائعهم فى انتظار ارتفاعات جديدة لسعر الدولار للحصول على مكاسب أكثر، دون النظر إلى ظروف البلد والناس، ودون أن يشعر أحدهم بتأنيب ضمير أو ذرة خجل، رافعاً شعار «اللى تغلب به.. ألعب به»، أما القطاع الخاص فغالباً ما يرفع شعار «ما فيش وإن كان عجبك»!!

الضحية فى هذه الحلقة من سلسلة «البَزْرَمِيط» هم عمال وموظفو القطاع الخاص، لماذا؟.. لأن الحكومة قامت بإجراء حزمة إصلاحات رواتب أبنائها فى القطاع العام، من زيادة الحد الأدنى للأجور مع إضافة حوافز غلاء المعيشة، وكما تعلمون فى سياسات الاقتصاد الحر، لا تستطيع الحكومات إجبار القطاع الخاص على زيادة رواتب موظفيه، ليصبح الفرد حائراً بين المثل القائل «إن فاتك الميرى اتمرمغ فى ترابه»، وبين تشجيع الدول للقطاع الخاص وأهميته، فلا ندرى أيهما أفضل العام أم الخاص، أم نستسلم لهذا «البَزْرَمِيط» وخلاص!!

الحلقة الأخطر فى سلسلة «البَزْرَمِيط» السابقة، هى رب الأسرة الذى يرفض تصديق ما حدث بين الجنيه والدولار، رافضاً إدراك الحقيقة المرة، فاستمر فى بعثرة ما يملك للحفاظ على وجاهته الاجتماعية، فيرهن ما يملك، ثم يبيع ما يملك، ثم يجد نفسه أمام المساجد وفى الشوارع، لا ليتسول قوت يومه وأولاده، بل ليتسول ما يحافظ به على تلك الوجاهة الزائفة دون خجل، أما أولاده فلهم رب اسمه الكريم!!

أخيراً.. واقع «البَزْرَمِيط» ومنطقه ومنهجه سلسلة لا تنتهى، حلقاتها تنتقل من قطاع لآخر، ومن جيل لآخر، تراه عابراً حدود المكان والزمان محلياً وإقليمياً ودولياً، تجد منطق «البَزْرَمِيط» ومنهجه يطاردك فى الواقع والأحلام بلا رحمة أو شفقة، لتصبح إحدى حلقات هذه السلسلة دون أن تقصد ودون أن تعى.

فى النهاية.. كنت أود الحديث عن مشوار «البَزْرَمِيط» فى مجال السياسة، ولكن لضيق المساحة، وضيق الأفق السياسى عندى، لم أستطع فعل ذلك!!

[email protected]