رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

كان لطه حسين مقولة رائعة تتصدر أحد البرامج اليومية فى الإذاعية المصرية قبل نصف قرن أو يزيد، إذ كان الأستاذ العميد يردد بصوته الرخيم: (لغتنا العربية يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستعملة فى العصر القديم... طه حسين).

حفظت هذه المقولة وأنا صبى من فرط سهولتها والإيقاع المنغم الجميل لصوت صاحب (دعاء الكروان)، ومع مرور الأيام وتراكم الخبرات بأشكالها كافة، تبين لى أن الدكتور طه لم يكن يقصد أن اللغة العربية يسيرة فحسب، أو أنها قابلة لإضافة كلمة جديدة إلى قاموسها العامر فقط، بل أظنه كان يعنى أن اللغة ليست مجرد مفردات لا غير، وإنما هى تراكيب وصور وأخيلة ومجازات، وكل ذلك أمر يسهل العمل على تطويره إذا وجدت الهمة والرغبة والقدرة.

وإذا كان الله، عز وجل، قد قال فى كتابه العزيز: (وعلّم آدم الأسماء كلها)، فليس معنى ذلك، أنه نسى، حاشاه، أن يعلمه الأسماء والأفعال والحروف، وكما يقول الدكتور زكى نجيب محمود أن الله كان يقصد بهذه الآية الكريمة أنه علّم آدم جهاز اللغة وقوانينها.

من هنا يمكن التعامل مع مقولة طه حسين برحابة ذهن، حيث ينبغى أن نحرر اللغة من كل معوق يحول دون نموها وتطورها، فاللغة، مثل الكائن الحى، تمر بفترات فتوة ونضارة حيناً، كما تعتريه لحظات شحوب وهزال حيناً آخر. ومن يعود إلى قراءة الكتابات النثرية والشعرية التى سادت فى عصور الانحطاط المملوكى والعثمانى سيكتشف على الفور الحال البائسة التى بلغتها اللغة العربية الفصحى آنذاك، إذ اتسمت تلك الكتابات بفقر الخيال وسطوة المحسنات البديعية المفتعلة، ومطاردة القوافى بصورة ممجوجة.

إن تفسير ذلك الانحطاط اللغوى القديم يعود إلى أن المجتمع كان يمر بمرحلة تدهور مخيفة، فلا علم ولا صناعة ولا ابتكار، واللغة هى ابنة شرعية للمجتمع الذى تنشأ فيه، وبالتالى كان التوافق منطقيًا بين تخلف المجتمع وتردى اللغة.

المثير أن تراجع اللغة ظل مستمرًا حتى نهايات القرن التاسع عشر، فمن يقرأ العدد الأول من صحيفة الأهرام الصادر فى 1876، ستذهله الركاكة اللغوية التى كتبت بها الأخبار والمواد الصحفية الأخرى، لكن عقب ثورة 1919 استرد المصريون عافيتهم، فصنعوا وتعلموا وأسسوا الجامعات والمعاهد والمدارس والمسارح والسينما والإذاعة، فوثبت اللغة العربية إلى الأمام وثبات مذهلة على يد العباقرة الكبار أمثال شوقى وحافظ وأحمد لطفى السيد وطه حسين وسلامة موسى والعقاد وتوفيق الحكيم ومحمد التابعى ونجيب محفوظ وغيرهم ممن نقلوا اللغة من عصور بائسة إلى عصر مشرق جديد ينبئ بالخيرات.

والآن، بعد سيادة اللهجات المحكية فى كل مكان: التليفزيون والإذاعة والصحف ومواقع التواصل الاجتماعى إلى آخره، تغدو حاجتنا إلى التذكير بمقولة طه حسين أمرًا ضروريًا لعلنا نستطيع أن نسترد بهاء لغتنا العربية الفصحى الجميلة.