رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

يحلو لى دومًا البحث فى تاريخنا المصرى الثري، قديمه وحديثه، حتى يمكن لنا أن نعى جوهر الحاضر ونفكك تناقضاته، من أجل الوثوب إلى المستقبل بعقل مستنير وروح خلاقة، لعلنا نستطيع أن نشارك فى صنع الحضارة الحديثة التى صنعها الغرب، تلك الحضارة التى نستهلك ثمارها منذ ستة قرون على الأقل!

أقول، بأسى: نستهلك... ولا ننتج، نستهلك... ولا نبتكر، نستهلك... ولا نتفاعل، الأمر الذى يفاقم من شعورنا بالدونية أحيانا... أو يدفعنا إلى الاستمساك بماض عتيق لا يناسب تطورات العصر، ظنا منا أن هذا الماضى يصلح لمواجهة تحديات الحاضر، وأن العسل المصفى كان عنوانا براقا لذاك الماضى البعيد!

صحيح أن المسلمين والعرب الأوائل لعبوا دورًا كبيرًا فى تشييد حضارة إسلامية غنية ومتنوعة اتكأ على بعض فضائلها الغرب فيما بعد، فأسس لحضارته التى انطلقت بوادرها قبل ستة قرون، لكننا الآن غدونا عالة على الحضارة الأوروبية الحديثة بكل معنى الكلمة للأسف.

أتخيل أن الفرصة كانت مواتية قبل قرن من الزمان للنهوض من عثرات التاريخ نحو مستقبل أكثر إشراقا، فعقب اندلاع ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي، سرت فى المجتمع المصرى موجات متتابعة من الرغبة فى اللحاق بالغرب، ذلك الغرب الذى احتل بلادنا بقوة السلاح المتطور، وبقوة الاقتصاد، وبمهارات الخبث السياسي.

من هنا يمكن فهم كيف ظهر فى الأفق المصري، خلال نصف قرن، مئات من المبدعين المصريين فى المجالات كافة، لاحوا كشهب لامعة فى فضاء يصبو إلى التجديد والتحديث، تعلموا وقرأوا وبحثوا وكتبوا وأبدعوا. فى السياسة انبثق نجم سعد زغلول وتلاميذه. فى الرأسمالية المصرية الناشئة تألق طلعت حرب ورجاله. فى القانون احتشدت مصر بعشرات من الكبار أبرزهم الدكتور عبدالرزاق السنهوري، أما فى الفكر والأدب والفن والعلم، فالقائمة غنية ومبهجة ومدهشة، فمن أول أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وطه حسين وسلامة موسى والعقاد حتى توفيق الحكيم ويحيى حقى ونجيب محفوظ مرورًا بنجيب الريحانى ويوسف وهبى وفاطمة رشدى وأمينة رزق وسيد درويش وأم كلثوم وعبدالوهاب ومحمود مختار ومحمود سعيد ومصطفى مشرّفة وغيرهم عشرات من العباقرة.

وإذا كان هؤلاء ورفاقهم قد ولدوا فى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث تجلى حضورهم الإبداعى فى النصف الأول من القرن الماضي، فإن الذين ولدوا بعد ثورة 1919 واصلوا مسيرة آبائهم وأساتذهم، وفى كل المجالات أيضًا.

إن أولئك وهؤلاء أيقنوا أن مصر لن تصل إلى المكانة اللائقة بها وبأهلها وبتاريخها، إلا عندما نستفيد ممن سبقونا فى دروب التطور دون خوف أو وجل، لقد ظل هذا اليقين بمثابة البوصلة التى ارتضاها المصريون حتى 1974، ثم انحدرت الأحوال تدريجيًا، وجاءت أجيال منكفئة على أفكار عتيقة فى كل شيء حتى الملابس، وكانت الحكومات المتعاقبة تعزز هذا الانكفاء!

للأسف، لقد اقتلعوا أشجار النهضة قبل أن تثمر، فمتى نعاود الكَرّة ونزرع من جديد؟