رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

برحيل بيليه الخميس 29 ديسمبر 2022 تشتعل معه قطعة من ذكرياتى الجميلة، فقد هبط أسطورة الكرة أرض مصر فى عام 1973 قادمًا من الكويت. جاء برفقة فريقه البرازيلى سانتوس ليلعب ضد النادى الأهلي، الأمر الذى جعل مصر كلها على أهبة الانتظار.

جاء الرجل تسبقه هالات أسطورية مذهلة. جاء مدججًا بكأس العالم لثلاث دورات، وهو ما لم يحققه أى لاعب آخر، لا قبل بيليه ولا بعده.

أذكر الحدث جيدًا، فقد كنت صبيًا مهووسًا بكرة القدم، وكنت من أمهر اللاعبين فى منطقتنا، لذا كان بيليه، الجوهرة السوداء كما كان معروفا بهذا اللقب آنذاك، يحتل أكرم ركن فى قلوبنا نحن فتيان ذلك الزمان البعيد.

أجل... أذكر اليوم جيدًا. كان الأحد 18 فبراير 1973، وكنت طالبًا فى الصف السادس الابتدائى بمدرسة دمنهور شبرا الجديدة بشبرا الخيمة. كان اليوم الدراسى بعد الظهر، أى يبدأ فى الثانية عشرة والنصف ظهرًا وينتهى فى الخامسة إلا الربع مساءً.

فى ذلك الوقت، قبل نصف قرن تقريبًا، كان للمدرسة هيبة عظيمة، فلا يمكن أن نتغيب بحجة مشاهدة فيلم أو مباراة حتى لو كان بيليه نفسه هو نجمها، وانتابتنى حيرة شديدة، إذ كيف يمكن لى مشاهدة بيليه وهو يلعب فى القاهرة؟ لا أجرؤ على الغياب، بل لا أجرؤ على البوح برغبتى فى الغياب حتى لو كان من أجل رؤية قدم بيليه وهى تسحرنا.

وهكذا ذهبت إلى المدرسة، وذهب معى آلاف الطلاب فى هذا اليوم والحزن يعتصرنا، وتناثر التذمر فى أرجاء المدرسة، ولكن فى همسات مكتومة. المباراة ستبدأ فى الثالثة عصرًا، والحصص الأولى تنتهى سريعًا، فننطلق إلى فناء المدرسة لنستمتع بفترة (الفسحة)، لكن لا المتعة مقبلة نحونا، ولا السرور يهل علينا، فالساعة تشير إلى الثانية والنصف، والكرة تستعد لاستقبال بيليه بعد نصف ساعة، ومازلنا محبوسين بين أسوار المدرسة، فما العمل؟

لم يملك ثلاثة طلاب أعصابهم، فتمردوا سرًا ووثبوا من فوق السور من أجل رؤية الأسطورة التاريخية. رأيت فعلتهم المجنونة فأعجبتنى جسارتهم، وقد همّ قلبى بدفعى لتقليدهم، لكنى تراجعت، فليس من طباعى مخالفة القوانين، وكظمت غيظى على أمل لن يتحقق.

فجأة... أعلنت إدارة المدرسة، ونحن فى (الفسحة)، انتهاء اليوم الدراسى حتى يتسنى لنا مشاهدة بيليه، ففتحوا الأبواب، لنهرع نحو بيوتنا، والفرح كله يسبقنا نحو شاشات التليفزيون. على الفور توجهت نحو شقة عمى يوسف الملاصقة لشقتنا، فهو الوحيد الذى يمتلك جهاز تليفزيون فى العمارة كلها.

افترش شباب العمارة الأرض فى الصالة شاخصين نحو التليفزيون فى انتظار إطلالة أمهر وأشهر لاعب كرة على مر التاريخ، وقد استقبلهم المرحوم عمى ببشاشته المعهودة، ورغم هزيمة الأهلى بخمسة أهداف مقابل لا شيء، إلا أن المتعة كلها تدفقت إلى جوانحنا ونحن نتابع بشغف السحر الكروى يتراقص على قدمى ملك الكرة.

وداعًا يا بيليه. شكرًا جزيلا لموهبتك الخارقة.