رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

أخيرًا قطف الأمير تشارلز تفاحة العرش وصار ملكا لبريطانيا، بعد أن ظل منتظرًا هذه اللحظة من قرن إلى آخر، فالرجل بات وليًا للعهد ووريثا للعرش منذ خمسين عامًا، أما والدته فقد أضحت ملكة بريطانيا العظمى فى فبراير 1952، وهكذا ظلت إليزابيث الثانية تستمع بأبهة المُلك وسحره بامتداد سبعين سنة متواصلة حتى رحلت فى 8 سبتمبر الجارى بعد أن بلغت 96 عامًا، بينما ابنها ظل قابعًا فى كرسى ولى العهد نصف قرن بأكمله!

والسؤال: لماذا لم تتنازل الملكة إليزابيث الثانية عن العرش لابنها قبل عشرين سنة أو حتى عشر سنوات؟ أى وهى فى عمر الخامسة والسبعين أو الخامسة والثمانين، حتى يستطيع ابنها ممارسة مهامه الملكية وهو فى فى عمر أكثر حيوية وشبابًا. لقد شغلنى هذا السؤال وأنا أتابع بشغف أخبار رحيل الملكة، وما استتبع ذلك من تقاليد صارمة فى الإعداد للجنازة، مع مراسم صعود ولى العهد إلى كرسى العرش أول أمس.

هل خشيت الملكة أن ترتبك أحوال البلاد التى تترأسها لو تنازلت عن العرش؟ إن تاريخ المؤسسة الملكية البريطانية ينفى ذلك، إذ إنه تاريخ راسخ وعتيد منذ قرون، والتقاليد التى تنظم انتقال العرش من ملك إلى آخر مستقرة وثابتة، فلو قررت الملكة التنازل عن العرش لابنها قبل عشرين سنة مثلا، بسبب اعتلال الصحة أو ما شابه، فلن يلومها أحد، ولعلنا نتذكر أن الملك جورج الثامن تنازل عن العرش عام 1936 من أجل الزواج بحبيبته المطلقة واليس سيمبسون!

اللافت أن الملكة إليزابيث لو كانت تنازلت عن العرش لابنها لكانت وفرت عليه تشويش المشاعر الذى اعتراه، حيث اختلط الحزن الشديد بالفرحة الغامرة، فيوم وفاة أمه هو اليوم الذى سيغدو فيه ملكًا ينعم بالصولجان والجاه والعظمة. ومع ذلك، لم تهب الملكة ابنها النعمة التى لا تقدر، وهى أن يحزن على رحيلها بعمق، ويحزن فقط! لا أن تختلط مشاعره وتعتريها الفرحة لأنه أمسى ملكا بوفاتها!

فى ظنى أن الملكة رفضت أن تهدى ابنها العرش وهى حية لأنها متشبثة بالسُلطة، والسُلطة شهوة عظيمة من النادر جدًا أن يعاندها إنسان، رجلا كان أو امرأة، والتاريخ يذكر لنا كم من الأبناء الذكور طردوا آباءهم من عرين السلطة، كما يحدد لنا أكثر من حاكم قتل ابنه، نعم قتل ابنه، حين شعر أن هذا الابن يعمل سرًا على إزاحة والده والوثوب إلى كرسى العرش (تاريخ السلطنة العثمانية يحتشد بجرائم مهولة من أجل كرسى العرش، فالسلطان محمد الثالث (1595/ 1603) قتل 19 من أخوته فى يوم واحد.

لعل ذلك يفسر إصرار الملكة إليزابيث الثانية على البقاء فوق عرش الملكة حتى رحيلها غير مكترثة برغبات ابنها.

إنها السُلطة... وما أدراك ما السُلطة!