رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

فى نهاية لقائى الطويل مع المخرج السينمائى الكبير كمال الشيخ (1919/ 2004) سألته: (ماذا يشغلك الآن يا أستاذ كمال؟)، اعتدل فى مقعده وشرد قليلاً، وقال: (تشغلنى كثيراً العلاقة بين الموسيقى والعمارة).

أما مكان هذا اللقاء، فكان فى صالون شقة كمال الشيخ القائمة بالدور العاشر فى عمارة الإيموبيليا بوسط القاهرة. وأما الزمان، فكان ثلاثاء أحد أيام الخريف من عام 1997. كنت التقيت صاحب (المنزل رقم 13) قبل ذلك بيومين فى إحدى الندوات، فطلبت منه حواراً مطولاً، فحدد لى الموعد إياه. ومن أسف، تأخرت عن موعدى ربع ساعة بسبب ظرف طارئ فى العمل، وربما يكون هذا هو التأخير الوحيد فى موعد طوال حياتى كلها.

فتح لى الباب بنفسه، وقد ارتدى ملابس المنزل، وهمس لى قبل أن يدعونى للدخول: (معذرة، فقد تأخرت، فقمت بتبديل ثيابى، ولن أبدلها مرة أخرى)، قلت والخجل يجلد مشاعرى: (لا مشكلة يا أستاذ... أعتذر بشدة). وهكذا قادنى بجسده النحيل إلى الصالون وهو يرتدى بيجاما فوقها (الروب) الأخضر الهادئ.

طرحت عليه أسئلة كثيرة، فأجاب عنها باستفاضة، أما انشغاله الدائم بطبيعة العلاقة بين الموسيقى والعمارة، فقد شرحه هكذا: (إن الإيقاعات الموسيقية المتنوعة تشبه إلى حد كبير البناء الهندسى فى العمارة، فكما ينبغى أن نراعى «المعمار الموسيقى» من حيث حلاوة النغمة وتوافقها مع الأنغام المجاورة لها المتفاعلة معها، فإن البناء المعمارى يتشكل أيضاً من توازن العلاقة بين الكتل الخرسانية وعلاقتها بالفراغ حولها. هذه الكتل تتجلى فى حجمها وبروزها وانخفاضها... فى الأبواب والنوافذ والشرفات والواجهات). ثم أضاف قائلاً وهو ما زال هائماً فى ملكوت اكتشاف سر التوازن المطلوب فى كل من الفن الموسيقى والفن المعمارى: (هل تعلم أننى حين أصور الممثل وهو يسير فى الشارع، ثم يدخل باب العمارة، ثم يصعد السلالم، ليفتح باب شقته... هل تعلم أننى أحتاج إلى ثلاث عمارات لأصور هذا المشهد، فأنا أختار باباً جميلاً لعمارة، ثم أختار سلماً أجمل فى عمارة أخرى، ثم أنتقى باب شقة أجمل فى عمارة ثالثة وهكذا، دون أن يشعر المشاهد. المهم عندى انتقاء الأروع معمارياً).

من هذا الافتتان بالعمارة، اكتشفت أن كمال الشيخ مغرم أيضاً بتصوير السلالم التى تنتشر فى الحارات والمناطق الشعبية، أو سلالم إحدى العمارات، وهو أمر مفهوم، فالسلم يعنى التدرج... الحركة... الإيقاع... الصعود، فكأن السلم المعمارى قرين للسلم الموسيقى.

دعنى الآن أتذكر معك بعض النماذج من سلالم كمال الشيخ: فى بداية فيلم (المنزل رقم 13/ 1952) يدخل عماد حمدى المنزل، ثم يرتقى الدرج خطوة خطوة بثبات حتى يصل إلى الباب ويرتكب جريمته. وفى نهاية فيلم (حياة أو موت 1954) تصعد الطفلة حاملة زجاجة الدواء سلماً عند النفق، ثم تقفز درج البيت بسرعة، وبعد ثوانٍ تهرول والدتها مديحة يسرى على السلالم نفسها. وفى فيلم حب ودموع 1955) نرى فاتن حمامة وهى تصعد سلم الشركة ركضاً لتسأل عن موعد وصول السفينة، ثم نشاهدها وصديقتها وداد حمدى وهما ترتقيان سلم البيت. وفى فيلم (حب وإعدام 1956) نلمح سميرة أحمد وهى تصعد سلالم كثيرة فى عمارة فخمة حتى تصل إلى شقة والدها عباس فارس. وفى (سيدة القصر 1958)، تتصدر فاتن حمامة أول لقطة وهى تهبط السلالم لتسير فى الحارة الشعبية، وفى فيلم (لن أعترف) ندور مع سلالم العمارة التى يقطن فيها صلاح منصور، ويصعدها كل من أحمد رمزى وفاتن حمامة، وفى (اللص والكلاب 1962) و(على من نطلق الرصاص 1975) وغيره وغيره.

إن كمال الشيخ استطاع أن يفجر الجمال المخبوء فى (سلالم) حياتنا التى نستخدمها يومياً، ولا ندرى عبقرية سحرها.