عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

قليلٌ من الناس يتركون مذاقًا في كل شيء.. بعضهم بسيطٌ يذهب إلى الأشياء بلا قناع، يهتز كالريشة في وجه السماء لكنها لا تراه، ليجد الذين رحلَ على مائهم خذلوا قاربه، فيرى الشمس تُشرق من حُزنه غَاربة.

هو أحد الغرباء الذين تعبوا من هذه الدنيا، ليكتشف بعد ثمانية وثمانين عامًا أن الموت تأخر، فكان إلحاحه بالسؤال دائمًا: «وماذا بعد؟ سِرتُ في اتجاهك العمر كله، وحين وصلتك انتهى العمر»، فيأتي جوابه أنه قانع بأن يكون نصيبه في الدنيا كَنَصيب الطَّير!

لطالما وُصِفَ بالشاعر الثائر بلا قناع والمهاجر الأبدي، بل اعتبروه الأخطر في العالم العربي بسبب أشعاره السياسية التي بدأ بنظمها في سنٍ مبكرة خلال دراسته بالعاصمة العراقية بغداد، ليظل على امتداد رحلة عمره أيقونة ورمزًا.

برحيله طُويت صفحة خالدة في تاريخ الشعر العربي، تميزت بروح التمرد والثراء والتجريد والخروج على القوالب المألوفة، لتفقد الساحة الأدبية مناضلًا مخلصًا ومُحِبًّا ومنتميًا إلى قضايا وطنه وأمته.

لقد كان «مظفر النواب» صاحب موهبة شعرية فَذَّة، برزت في بدايات حياته، جعلته دائمًا يتميز بأسلوب فريد في إلقاء الشعر، أقرب ما يكون إلى الغناء، ليُثري المشهد الشعري العراقي والعربي، بدروسٍ فريدةٍ ونادرةٍ في الشجاعة السياسية والأدبية.

ورغم معاناته التي لم تتوقف حتى حطَّ الرحال وفارق الحياة، فإن شُهْرة قصائده السياسية التي جابت عالمنا العربي، لم تكن سوى محطة مهمة، سبقتها محطات من شعره العاطفي والغزلي، خصوصًا باللهجة العراقية، التي لا تقل جمالًا ورونقًا وسحرًا.

إن المتابع لمسيرة «مظفر النواب» يجد أنه كَرَّس حياته لتجربته الشعرية وتعميقها، والتصدي للأحداث التي تلامس وجدانه الذاتي وضميره الوطني، فعرفته العواصم العربية شاعرًا مناضلًا يُشْهِر أصابعه بالاتهام السياسي، لمراحل مختلفة من تاريخنا الحديث.

لعل أشعار الراحل الكبير كانت تصدر عن رؤية تتجذر معطياتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية العربية، لتأتي اتهاماته عميقة وحادَّة وقاسية.. جارحة وبذيئة أحيانًا، خصوصًا قصائده المشهورة بالهجاء مثل «القدس عروس عروبتكم» و«قمم».

رحل «مظفر عبدالمجيد النواب» بعد أن أغلق آخر قصائده بجملة سبقت وفاته «مُتْعَبٌ مِنِّي.. ولا أقوى على حملي»، ليختتم حياةً مُثقلة بالمعاناة، وآراء جريئة ثائرة على الظلم، عرّضته للملاحقة والسجن والمنفى، ليعيش عقودًا خارج وطنه مُشردًا غريبًا.

أخيرًا.. ستبقى أشعار «مظفر النواب» حيَّة وخالدة في ذاكرة الشعوب العربية، كما سيظل الشجاع الثائر بلا قناع صاحب مدرسة شعرية متميزة وصادقة، تُنعش ذاكرة الأجيال، لأنها تحمل صوت الضمير الإنساني، كطَلْقَةٍ تختصر طريقها نحو الهدف.

فصل الخطاب:

يقول محمود درويش: «الشِّعْر يُولَدُ في العراق، فكُنْ عراقيًّا لتصبح شاعرًا يا صاحبي».

[email protected]