رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

بعد مرور أكثر من ثلثى شهر رمضان، لا شك أن الجمهور الذى شاهد الدراما التليفزيونية عرف المسلسلات التى له والأخرى التى عليه.. فهناك مسلسلات يصنعها المنتجون للممثل الذى يبيع أكثر ولا يهم الموضوع، وغيرها مصنوعة للجمهور.. وعادة ما تكون موضوعاتها ممتعة ومبهجة.. ومسلسل «جزيرة غمام» للكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، واحد من أهم دراما رمضان هذا العام لأسباب كثيرة!

إن « جزيرة غمام» نص مكتوب بإبداع، ومبذول فيه جهد يحترم وجدان وعقلية المشاهد.. كل كلمة لها دلالاتها، وكل شخصية لها أبعادها.. لا توجد ثرثرة ولا شخصيات زائدة على الحاجة، وتكاد تكون جميعها تحتل مكانة البطولة بالدور الذى تؤديه بحرفية واندماج عميقين، وهى سمات مميزة لمعظم أعمال عبدالرحيم كمال، التى عادة توحى للممثل طريقة أدائه وتسلمه مفاتيح الشخصية وطريقة التعامل معها، وأعتقد أن النص هذه المرة ساعد كذلك المخرج حسن المنباوى على الوصول إلى درجة متقدمة من النضوج الفنى بعد مرحلة من التجريب بين الكثير من الأكشن والقليل من الكوميديا قبل أن يرسو على بر.. وأعتقد أنه وصل إليه على «جزيرة غمام»!

وأهم ما قدمه المسلسل هو شخصية «عرفات» ولا أقصد الممثل أحمد أمين، وهو يستحق الوقوف عنده كثيرًا ولكن ما أقصده هو الشخصية نفسها.. وأكاد أجزم أنه لأول مرة يقدم «عرفات» بهذا الشكل فى الدراما بشكل عام، سينمائيًا وتليفزيونيًا.. فقد اعتدنا على معالجة معينة ومحدودة وقاصرة لشخصية الرجل البركة أو المجذوب، أو الدرويش، أو البهلول.. الذى تجرى خلفه الأطفال فى الشوارع والحوارى وتضربه بالطوب.. والذى يهذى بعبارات تحتمل أن تكون حكيمة، ومنذرة ومحذرة بخطر قادم أو بنزول عقاب على الظالمين وتواسى المظلومين!

ولكن «عرفات» جزيرة غمام هو شخص يحبه الأطفال، ويجرون إليه، ويخشاه أصحاب السلطة دون صراخ أو جنون، ولكن بالحكمة والموعظة العقلية والإنسانية الحسنة.. هو شخص يعمل ويمن على الآخرين بعمله، وهو كنجار، كما لو كان السيد المسيح عيسى عليه السلام، يحاول إصلاح شبابيك البيوت وابوابها من الداخل.. وكذلك القلوب بالحب والمودة، ويسعى إلى أن يخلص أهل الجزيرة، من اخطائهم وجرائمهم!

وأجمل ما فى «عرفات» علاقته بـ «العايقة» هذا الجمال الحائر الذى يبحث عن الطفلة التى ضاعت منها، وقد قدمتها بنعومة وحزن «مى عز الدين»..أما « أحمد أمين» فهو مذهل بأدائه شخصية عرفات بكل هذا الحب، فهو لم يتقن الدور فقط بل أحبه بصدق، ولذلك صدقنا جميعا عرفات وأحببناه، ولم يكن مصدرا للسخرية والشفقة كالعادة، ولكنه الحكيم والمحب والصادق الوحيد الذى يعيش بوجه واحد لا بوجهين، والذى فى قلبه على لسانه!

وعادة ما يقع الكثير من الممثلين فى مأزق الرتابة فى الأداء لتكرار قيامهم بنفس الدور أكثر من مرة.. ولكن حرفية الكاتب وتمكن المخرج فى «جزيرة غمام» مكنت رياض الخولى، وفتحى عبدالوهاب ومحمود البزاوى ووفاء عامر ومحمد عز.. لم يتورطوا فى النمطية وقاموا بأدوارهم وكأنهم شخصيات هاربة من أسطورة قديمة أو حكاية خرافية، ونفس الشيء حدث فى الديكور والتصوير والإضاءة والملابس.. ابداع مبهر ومدهش.. وكلهم يحتاجون إلى دراسة لوحدها.. أما الفنان «طارق لطفي» فى دور خلدون فقد وصل إلى مرحلة من النضج الفنى الرائع، يذكرنا بدور الممثل الأمريكى آل باتشينو فى فيلم «محامى الشيطان» (The Devil's Advocate‏) انتاج عام 1997، بنفس الأداء الرائع وأكثر.. شكرا لمبدعى «جزيرة غمام».

[email protected]