رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

بمقتل القمص أرسانيوس وديد رزق كاهن كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك بالإسكندرية يوم الجمعة الثامن من أبريل الجارى.. أقول بمقتله البغيض على يد أحد المتطرفين لا تنفطر قلوب أشقائنا المسيحيين حزنا وغمًا وهلعًا فحسب، بل تنخلع لهذه الجريمة الخسيسة صدور المصريين كلهم الذين يرفضون تمامًا ويستنكرون قتل أى إنسان بسبب دينه أو لونه أو أفكاره. هذا الرفض الشعبى والرسمى ليس وليد القرن الحادى والعشرين فقط، وإنما هو متغلغل فى الجينات الرئيسة للشعب المصرى طوال آلاف السنين، والتاريخ خير شاهد على ما أقول، فقد عاش المصريون بمعتقداتهم المختلفة جنبًا إلى جنب، يتعاملون ويتبادلون ويتفاعلون مع الأحداث اليومية والوطنية بحلوها ومرها.

وها هى السينما المصرية توثق ذلك بقوة، فهناك أفلام تحمل عناوين تدل على هذا التفاعل الإيجابى، وعناوينها تحمل أسماء تعبر عن أصحاب الديانات السماوية الثلاثة مثل (فاطمة وماريكا وراشيل) الذى أنجزه المخرج حلمى رفلة سنة 1949، وهناك (حسن ومرقص وكوهين) الذى أخرجه فؤاد الجزايرلى عام 1954، كما أن ثمة الكثير من الأفلام التى نرى فيها المصريين، مسلمين ومسيحيين، متجاورين فى السكن وأصدقاء فى العمل، دعنا الآن من الأجانب المسيحيين الذين استوطنوا مصر وعاشوا فى رحاب أحيائها الشعبية يصادقون المصريين الذين يتعاملون معهم بمحبة تليق بسماحة منغرزة فى الصدور.

أرجو أن تتذكر معى، على سبيل المثال، فيلم (سلامة فى خير) الذى حققه نيازى مصطفى عام 1937، وكيف كانت جارة نجيب الريحانى فى البيت (الست أم يني) اليونانية تبحث عنه مع زوجته الملتاعة.

بكل أسف، لقد زلزلت تلك الجريمة البشعة أرجاء المحروسة كلها وليس سكان الشاطئ فحسب، فنكأت جراحًا قديمة كنا نظن أننا تجاوزناها، ولكن يبدو أننا سنظل نكابد كثيرًا من وجود أولئك الذين يتخيلون أنفسهم وكلاء الله فى الأرض، وأنهم امتلكوا القول الفصل فى الحياة وفى الآخرة، فيقدمون على قتل من يخالفهم بدم بارد وروح شرس قاس غليظ.

أكتب هذا المقال، ولا أدرى ما يجرى فى تحقيقات النيابة التى سارعت على الفور فى مباشرة عملها بعد القبض على القاتل، ولكن ما ينبغى الحديث فيه مرة ومرات، هو ضرورة استرداد منظومة التعامل مع الآخر المختلف دينيًا وفكريًا بروح متسامح ودود. هذه المنظومة التى انشرخت جدرانها فى نصف القرن الأخير، فصال وجال أصحاب الأفكار الدينية المتشددة فى أحشاء مصر يخربون عقول الصبية والشباب، فحشدوا الأنصار والمتعاطفين، وشحنوا عقولهم بأفكار تخاصم العصر وتحرّم الفنون وتكره الناس، بل تعمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، على اغتيال المختلف والرافض لأفكارهم البائسة. ولنتذكر حتى لا ننسى جرائمهم: قتلوا المفكر فرج فودة عام 1992، حاولوا قتل نجيب محفوظ عام 1994، اغتالوا الذاهبين إلى الكنائس ليعبدوا الرب، ومازالت جرائمهم تلطخ تاريخنا الطيب.

لا يمكن أن نعفى حكومات السادات ومبارك من انتشار هؤلاء المغيبين بتنظيماتهم الدموية ومقولاتهم التعسة، بل تتحمل تلك الحكومات على مدار نصف قرن تضخم تلك الجماعات المشبوهة بأفكارها الملعونة، فحين تغيب العدالة الاجتماعية وتشحب الحريات السياسية ويتغول الفساد فى الأرض، تزدهر تلك الأفكار الكريهة التى تدعو إلى القتل وتخطط له وتباركه!

لم يكن القمص أرسانيوس سوى أحدث ضحية فى مجتمعنا المأزوم، وأرجو أن يكون الأخير، ويبدو أن صورة السيدة زوجته الدكتورة مرثا، وهى ساهمة فى عزاء زوجها تكشف مدى الألم الذى يعترى السيدة التى رأت زوجها يذبح أمامها.

أجل... الأمر جلل، ولابد من العمل بهمة وجدية لمواجهة التطرف الدينى واقتلاعه من جذوره، ولن يتحقق ذلك إلا بإعمال الفكر وتطوير التعليم وتشجيع الفنون الجميلة وتعزيز الآداب الرفيعة.