حكاية وطن
مصر من أقدم الدول على الإطلاق، يعود تاريخها إلى الألفية السادسة قبل الميلاد، قدمت للإنسانية أقدم النظم التشريعية والإدارية، نشأت على ضفاف نيلها أقدم حكومة منظمة شيدت الحضارات الإنسانية العظمى على مدى العصور استنادًا إلى أسس قوية وراسخة فى نظم وفنون الحكم والإدارة، وتدل آثار الحضارة الفرعونية على مدى ما بلغه المصريون من تقدم فى نظم الحكومة والإدارة.
إنها أرض الفراعنة ويعد الملك حور محب آخر فراعنة الأسرة المصرية الثامنة عشرة من أهم المشرعين فى تاريخ الإنسانية، حيث تميزت تشريعاته بالطابع المدنى بعيدًا عن الاعتبارات الدينية، كما اهتم بإصدار العديد من القوانين التى تنظم العاقة بين الفرد والسلطة الحاكمة.. كما لتشريعاته فضل السبق فى ترسيخ فكرة الحريات والحقوق العامة مثل حرمة المسكن وحرمة الطريق، كما أكد فكرة أن الوظيفة العامة هى خدمة للشعب وليست وسيلة للتسلط عليه.. وأن الموظف العام خادم للشعب وليس سيدًا عليه.
وقد تركت الحضارة الفرعونية العديد من آثار وشواهد هذا التطور الإدارى والتشريعى من بينها النص الذى وجد فى مقبرة الأميرة «أيدوت» بمنطقة سقارة الذى يعد أقدم تشريع ضرائبى فى التاريخ.
وكثيرًا ما سجل المصريون القدماء على مقابرهم صور الملك وهو يقدم ماعت رمز العدالة والقانون إلى الآلهة، فى إشارة واضحة إلى تقديس مفاهيم قيم العدل وسيادة القانون.
وعقب دخول الإسكندرية الأكبر مصر عام 330 قبل الميلاد بدأ الحكم اليونانى لمصر، وبعد وفاة الإسكندر الأكبر جاءت فترة الحكم البطلمى ثم الرومانى.. ورغم قسوة الحكم الرومانى فقد استطاع المصريون الحفاظ على معظم تقاليدهم ونظمهم وعاداتهم حتى دخلت المسيحة مصر فى النصف الأول من القرن الأول الميلاد، حيث أسهمت الكنيسة المصرية فى ترسيخ العديد من الأنظمة والتقاليد.
وفى العصر الإسلامى استمدت نظم الحكم والتشريع من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة استنادًا إلى مبدأ الشورى الذى يعد أحد المبادئ الأساسية فى نظم الحكم فى الإسلام.
وعندما أصبحت مصر عاصمة للخلافة الفاطمية تطورت نظم الحكم والتشريع، كما تم تخطيط مدينة القاهرة كعاصمة لمصر وللخلافة الإسلامية.
فى عصر الدولة الأيوبية، أصبحت القلعة مقرًا للحكم ومركز السلطة وتنوعت المجالس التشريعية والقضائية، فأقيم مجلس للعدل ومجلس للنظر فى المظالم وغيرها.. وقد تضمنت أعمال هذه المجالس إصدار التشريعات والقوانين وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية.
وفى عصر المماليك شيد السلطان الظاهر بيبرس دار العدل بقلعة صلاح الدين الأيوبى لتكون مقرًا للحكم.. وكانت اختصاصات مجلس الحكم فى ذلك العهد تشمل إصدار التشريعات وتنفيذها وفض المنازعات علاوة على عقد المفاوضات مع الدول المجاورة.
وفى العصر العثمانى كانت المحاكم الشرعية هى النظام المطبق فى مصر، وكان القضاة يطبقون الأحكام من الشريعة مباشرة على كل المنازعات المدنية والجنائية والأحوال الشرعية، وظل هذا الأمر قائمًا حتى نهاية القرن الثامن عشر.
وقد شهدت مصر فى السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر تطورات سياسية واجتماعية مهمة على مستوى الفكر والممارسة ففى عام 1795 وبعد أقل من ست سنوات من الثورة الفرنسية شهدت القاهرة انتفاضة اجتماعية سياسية كبرى من أجل الحقوق والحريات وسيادة القانون، برزت فيها بصورة قاطعة مواقف القوى الوطنية والقيادات الشعبية من قضايا الشعب، وتبينت فيها طلائع هذه القوى المطالب الوطنية فى العدالة والمساواة والحرية.