عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

لماذا تعامل عبدالحليم حافظ مع الشعر بمحبة كبيرة وتقدير عظيم؟ فأنشد وغنى نحو ثلاثين قصيدة بالفصحى، علمًا بأن نصيب حليم فى بنك الأغانى يزيد على 250 أغنية، الأمر الذى جعله يتبوأ المكانة الثالثة، فيما أظن، فى الحفاوة الغنائية بالشعر بعد عبدالوهاب وأم كلثوم.

الحق أن الرجل ابن وفيّ من أبناء ثورة 1919 التى عززت شعور المصريين بوطنهم من جهة، ودفعتهم دفعًا لتطوير أنفسهم فى المجالات كافة من جهة ثانية، والفن فى قلب هذه المجالات بطبيعة الحال، فمع منتصف العشرينيات ارتقى عبدالوهاب وأم كلثوم بكلمات الأغانى التى يرددونها، إذ كانت تشيع قبلهما أغنيات محشوة بعبارات فجة بالغة الركاكة مثل (ارخى الستارة اللى فى ريحنا للمطرب عبداللطيف البنا، والحب دح دح والهجر كخ كخ لمنيرة المهدية)! لكن الأمر تبدل بصورة جذرية حين شدا عبدالوهاب بقصائد شوقى وأمين عزت الهجين وترنمت أم كلثوم بأشعار أحمد رامى وبيرم التونسى.

لذا لا عجب ولا غرابة أن تكون قصيدة (لقاء) هى أول أغنية سجّلها عبدالحليم للإذاعة عام 1951، فقد تذوقت أذناه وهو صبى وفتى وشاب صغير القصائد التى أنشدها عبدالوهاب منذ العشرينيات حتى نهاية الأربعينيات، فافتتن بياجارة الوادى وخدعوها بقولهم حسناء وجفنه علم الغزل وأعجبت بى وسهرت منه الليالى والجندول وكليوباترا والكرنك ومضناك جفاه مرقده وقالت وهمسة حائرة وغيرها، ومن المؤكد أن عبدالحليم رددها مع نفسه وأمام أصدقائه متباهيًا بمهاراته الصوتية. أما قصيدة (لقاء) هذه، فقد كتبها صديقه الشاعر صلاح عبدالصبور، الذى كان فى العشرين من عمره ساعتها، بينما بلغ حليم الثانية والعشرين إذ ولد فى 1929.

ولكى تتيقن من إعجاب حليم باللغة الفصحى وعشقه لها، تذكّر أن آخر ما صدحت به حنجرته الآسرة كانت قصيدة نزار قبانى (قارئة الفنجان) التى كتبها شاعر سوريا الكبير نزار قبانى، وصدح بها حليم فى ليلة شم النسيم من سنة 1976، ومازلت أذكر جيدًا كيف فرحت بها كثيرًا، وأنا فى طور الشباب الأول آنذاك. وبعد أقل من عام غاب حليم عن دنيانا (رحل فى 30 مارس 1977).

تعال أقص عليك نبأ بعض القصائد التى ترنم بها حليم فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى، حيث يبدو أن الكثير منها لم يرسخ فى ذاكرة الأجيال الجديدة، خذ عندك: (ربما/ لا تلمني/ يا ضنين الأمس/ الأصيل/ أقبل الصباح/ أنت إلهام جديد/ الجدول/ ربيع شاعر/ نشيد العهد الجديد دويتو مع المطربة عصمت عبدالعليم/ يا ليالى الغرام وغيرها)، ولما وقع العدوان الثلاثى عام 1956 هتف عبدالحليم (إنى ملكت فى يدى زمامي)، ثم توالت قصائده بعد ذلك، أذكر منها (لست أدرى التى غناها عبدالوهاب فى فيلم رصاصة فى القلب، وأعاد حليم غناءها فى فيلمه الخطايا/ حبيبها/ لست قلبي/ يا مالكا قلبي/ رسالة من تحت الماء).

المدهش أنه على الرغم من أن عبدالحليم حافظ رحل فى مثل هذه الأيام قبل 45 عامًا، إلا أن صوته الحنون مازال يجذب الكثير من الأجيال الجديدة، حيث لاحظت أنهم ينصتون إليه بتركيز وينفعلون بما جادت به حنجرته من أغنيات عاطفية متأججة مثلما انفعل آباء لهم من قبل.

وهكذا إذًا يثبت تاريخ عبدالحليم مع الغناء أنه على الرغم من أن حضوره ترسخ فى الذائقة الوجدانية للملايين، بوصفه مطربًا يترنم باللهجة العامية القاهرية تحديدًا، إلا أنك لاحظت أن نصيبه من الشعر العربى متفرد وجميل.

وأخيرًا... كلما هلت ذكرى حليم تذكرت بحنين جارف شقيقى الأكبر الراحل فوزى (1953/ 2004) الذى علّمنى كيف أنتبه إلى عبقرية حليم فى الغناء والذكاء والدأب من أجل الإمساك بأهداب المجد.