رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

فى كل الأديان السماوية جانب مؤسس على العقل، وجانب آخر مؤسس على الغيبى، وقد يضيق الجانب العقلى ليتسع الغيبى عليه، وقد يتسع الجانب العقلى ويضيق الجانب الغيبى، ويرتكز الجانب الغيبى فى الأديان فى قضايا النبوة وكيفية تلقى الوحى، والمعجزات التى تتحقق على يد الأنبياء، والإيمان باليوم الآخر والبعث، تلك القضايا يطلق عليها السمعيات فى علم الكلام فى العلوم الإسلامية أو علم اللاهوت فى اليهودية والمسيحية، ويمثل الجانب الغيبى الركيزة الأساسية التى أسست عليها الأديان، ويعتمد الإيمان بالغيبيات على السمع أى ما قام النبى بتبليغنا إياه عبر كتابه أوسنته، ومن العبث تأسيس الغيبى على الدليل العقلى، وذلك لعجز العقل عن إدراك قضايا الغيبى، لأنها خارج حدوده وإمكاناته المعرفية، ذلك لأن العقل كأداة للفهم ملتحم بالأشياء المادية والحسية.

والعقل البشرى آلة حيادية مكافئة، بمعنى أن المؤمن يستطيع أن يقيم به الأدلة على إثبات وجود الله، والملحد يستطيع بعقله أن يقيم الأدلة على نفى وجود الله، وقدرة العقل على النفى فى الأمور الغيبية أقوى من قدرته على إثباتها، لأن إدراك العقل مرتهن بالتعلق بالمحسوسات المادية، ولذا يستطيع العقل البشرى أن يؤسس العقليات على ما هو كونى ومتعين فى علم التوحيد فى إثبات وجود الله، ولكنه يقدم أدلة قوية على النفى أيضاً.

ويعتبر الإسلام من أكثر الأديان التى ركزت على أهمية العقل والتدبر، كما أنه منح الاهتمام للجانب الدنيوى والاجتماعى، وأسس الغيبى على الكونى، ولم يغرق فى الغيبى والأسطورى كثيرا، والرسول يؤكد فى العديد من الآيات أنه بشر رسول، وحين يطالبه أهله بالمعجز الخارق كان يؤكد لهم على بشريته، وأن رسالته الأساسية أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، والأخلاق التى بعث بها يتمم نسقها الإيمان بالله الواحد، والإيمان بالبعث والمحاسبة فى اليوم الآخر.

وأما ما يثار فى الفضاء العام فيما يتعلق بالمعجز والغيبى، فإن القرآن هو المعجزة للرسول الأساسية، ولم يغرق القرآن فى بيان معجزاته الحسية، ولكن السنة هى التى تحدثت عن المعجزات النبوية مثل أنين الجذع، وتسبيح الحصى، وإقبال الشجرة وإدبارها، وتكثير الطعام القليل ليأكل منها الكثير، وهذه المعجزات يصدق بها من رأوها، والمتأخرون يسلمون بها لأنهم صدقوا الرسول فى كل شيء قامت عليه الرسالة بالعقليات والكونيات، والجدل فى هذه المساحة لا يسمن ولا يغنى من جوع، والخوض فيما هو مجاوز للعقل هو نتاج عجز العقل، وليس نتاج عيب فى الدين لأن طبيعة الدين فى جانبها الغيبى تتجاوز حدود العقل كما أقر ذلك الفيلسوف الألمانى كانط، ورأى أن الإيمان بالله واليوم الآخر من مسلمات العقل العملى الأخلاقى، الذى يؤسس للإيمان بالله وخلود النفس.

وفى علاقة المعجز الحسى بالعقل لابد أن نستعيد رأى ابن رشد الفيلسوف المسلم حين تعرض لقضية النبوة وإثباتها من خلال المعجز، حيث رأى ابن رشد أن نبوة الرسول تثبت بالمعجز البرانى (الحسي) والمعجز الجوانى (العقلي)، ويرى ابن رشد أن المعجزات الحسية هى معجزات مؤقته يؤمن بها من رأوها، وليست ملزمة لمن لم يرها، ولكن المعجزة العقلية الخالدة للرسول هى القرآن، ولا يقصر إعجاز القرآن على البلاغة والبيان فقط، ولكن القرآن متعدد فى وجوه إعجازه مثل اخباره بالغيب، وإعجازه التشريعى، وإعجازه الحضارى، ويرى ابن رشد أن القرآن معجزة خالدة لأن إعجازه مستمر وخالد فى الزمن، وأنه فى بنيته يخاطب العقل البشرى بحدود إدراكه، ومعين للمعانى التى تتجدد مع تطور الزمان، وتطور المعرفة البشرية.

ولذلك حين نجد الناس تركز فى الإسلام على الغيبى، وتدع دور الإسلام فى نهضة وتدعيم تطور الدنيوى والاجتماعى فهذا علامة على التخلف، فمتى ننتقل من الإيغال فى التركيز على الغيبى إلى التركيز على الوظيفة الاجتماعية للدين ودوره الفاعل فى حياة المجتمعات والشعوب الإسلامية.