رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

بعد أن عرضنا فى عدة مقالات سابقة لميلاد الحركة السريالية فى العالم سيكون من المهم الآن أن نعرض للسريالية فى مصر، تُرى كيف انتقلت هذه الحركة الفنية العالمية من أوروبا إلى مصر ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضى أن نعترف بأن صاحب الفضل فى تأسيس حركة السريالية المصرية يعود إلى الفنان والشاعر الكبير «جورج حنين» والذى ولد فى القاهرة فى 10 نوفمبر 1924 لأب مصرى وأم إيطالية، وكان أبوه وزيرًا فى عهد الملك فؤاد الأول.

وفى عام 1924 سافر جورج إلى مدريد حيث كان والده يعمل فى ذلك الوقت سفيرًا هناك، ثم انتقل معه إلى روما، وبعدها سافر إلى فرنسا، حيث كانت تقيم والدته. ولاشك أن هذه الأسفار أتاحت لجورج الصغير التعرف على مختلف الثقافات والتيارات الفنية فى أوروبا، وفى عام 1934 عاد جورج حنين إلى القاهرة. لكن ظل مرتبطًا بباريس، ولهذا قرر أن يمضى وقته بين العاصمتين، مقيمًا فى كل منهما عدة أشهر على التوالى. ومنخرطًا فيها فى أعمال متوازية مع أصدقائه فى القاهرة وباريس.

وفى القاهرة ارتبط جورج حنين بفريق (الباحثين) الذى كان سكرتيره جبريل بوكتور «والذى كان يصدر مجلة شهرية تحت اسم («محاولة»)، والتى كانت تفخر بأنها المجلة الوحيدة التى تدافع عن الحرية فى مصر. وفى فبراير 1935 نشر حنين بيانه الأول حول اللاواقعية والذى يمكن اعتباره أول بيان مصرى عن السريالية:

«لا شيء عديم الجدوى كالواقع..، لماذا نبحث عن الحقيقة حيث ليست موجودة فى الخارج، فى حين تبقى الكنوز الداخلية غير متقصاة ؟ إن العالم الوحيد الحقيقى هو ذلك الذى نخلقه فى ذاتنا، العالم الوحيد الصادق هو ذلك الذى نخلقه ضد الآخرين.. إلى الأمام على طريق اللاواقعية..».

والواقع أن جورج حنين كان هو الروح الصاخبة التى انبعثت فى مجلة «محاولة»، ومن غريب الأمر أن يتجه جورج حنين وهو سليل الطبقة البورجوازية وواحد من أكبر أرستقراطييها إلى نقد لغة وقاموس هذه الطبقة، فقد نشر بالمجلة قاموسًا ساخرًا للبورجوازية مصحوبًا برسوم كاريكاتورية للفنان كامل ديب. ومن الكلمات الساخرة التى كتبها جورج:

جمال: سلطة تنفيذية.

كرامة: فرضية ملائمة لأيام استقبال.

أمرأة شريفة: احتكار جنسى.

فكرة: لعبة غير قابلة للكسر، مجانية وأحيانًا مميتة.

شرعية: كمامة الشعوب.

أنا: الشيء الأكثر أهمية فى هذا العالم.

متحف: مذبلة كبرى معترف بها رسميًا.

عمل: كل ما لا نرغب فى القيام به.

إن هذه الروح الساخرة لم تمنع مجلة «محاولة» من أن تكون مجلة راقية، يديرها الشاعر أحمد راسم الذى كان آنذاك رئيس ديوان رئيس الوزراء ونائب حاكم القاهرة. وقد واصل حنين على امتداد عام 1935 نشر حكاياته وكتاباته الساخرة الناقدة لقيم وتقاليد البورجوازية.

وفى ديسمبر 1935 كتب جورج حنين أولى خطاباته لأندريه بريتون، والذى طرح فيه عدة اقتراحات ولم يستطع بريتون أن يرد عليه قبل 18 أبريل 1936. وخلال فترة إقامته فى باريس فى الفترة من مايو إلى سبتمبر 1936 التقى جورج بأندريه بريتون مرات عديدة وتوطدت مشاعر الود والصداقة بينهما، وعندما عاد جورج إلى القاهرة عام 1937 قدم السريالية إلى الجمهور المصرى بصورة علنية ومباشرة من خلال محاضرة ألقاها هناك. وبدأ فى تنظيم الجماعة السريالية المصرية. وكان من بين أصدقائه، الشاعر «أدمون جابيس»، والصحفى «آميل سيمون»، والرسامون: «كامل التلمسانى»، و«أنجيلو دى ريز» و«رمسيس يونان». وبرغم سفره إلى باريس عام 1938 للدراسة، فإن صلته لم تنقطع مع رفاقه فى مصر. ولأن جورج حنين قد تبنى التروتسكية، لذلك فقد سمى جماعته باسم «فن وحرية»، والاسم مستوحى من البيان الذى أصدره أندريه بريتون وتروتسكى فى المكسيك بعنوان «من أجل فن ثورى مستقل». ومن المعروف أن هذا البيان طالب بالحرية فى الفن، ومنح الفنان الثورى حرية عدم الامتثال للشعارات أو الخضوع للأيديولوجيات السياسية.

وللحديث بقية.