عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

(أن تدرك، وتعى، وتفقه، وتعلم، وتتعلّم، وتتأمل، وتفكر، وتفهم، وتبحث، وتستبطن، وتستشرف، وتتنبأ، وترى، وتفسر، وتشرح، وتستقصى، وتناقش، وتحاجج، وتجادل، وتحاور، تلك هى المعرفة).

هذا ما كتبه الشاعر الكبير أحمد الشهاوى فى كتابه الجديد (سلاطين الوجد... دولة الحب الصوفي) الذى صدر مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب فى نسخته الأخيرة رقم 53.

يقع الكتاب فى 279 صفحة من القطع المتوسط، وينقسم إلى أكثر من عشرين فصلًا ذات عناوين شعرية دالة، مستهلمة أحياناً من القاموس اللغوى العامر للصوفيين، مثل: (من لا وجد له لا يعوّل عليه)، و(ما الحب إلا مقام إلهي)، و(سلاطين الوجد يكتبون شرع الهوى)، و(روحى تنطق عن هواها)، و(فى «النقطة» طاقة لا تدرك) و(البلاء ملح العارف) وغيرها.

أما الفقرة التى صدّرتُ بها هذا المقال، فهى من فصل مهم بعنوان (من كان منكم بلا معرفة فلا يعول عليه)، حيث يقول الشهاوي: («الكامل من عظمت حيرته» من فرط السؤال والحيرة والمشاهدة، والكشف والإلهام، حيث إن بحر المعرفة وسيع ولا سواحل له، و«من ذاق عرف»، حيث الذوق سبيل للمعرفة عند المتصوفة).

من أهم فصول الكتاب وأمتعها فصل بعنوان (ذو النون المصرى رأس الصوفية)، لأن الشهاوى يسرد خلاله، فى صياغات رشيقة، قبسات من سيرة أول الصوفيين فى مصر وربما فى العالم كله، وهو (ذو النون المصري) المولود فى 796 ميلادية بمدينة أخميم بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وتوفى بالقاهرة فى 859 ميلادية.

يقول الشهاوي: (ذو النون المصرى الزاهد الناسك الورع المتقشف البسيط – الذى يمكن معرفة الكثير عن روحه عبر قراءة ما ترك من أقوال ومواقف وقصص وصلت إلينا – هو لسان أهل الباطن، أى ينطق بلسان الحقيقة... وهو أول من وضع تعريفات للوجد والسماع، وكان أول من تكلم فى مصر فى الأحوال ومقامات أهل الولاية، وهو أول من فسّر إشارات الصوفية، وتكلم فى هذا الطريق، ويعتبر بحق واضع أسس التصوف، فعنه أخذ الكثيرون، ويكفى أن ابن العربى قد خصص له رسالة وحده، كما خصص له جلال الدين الرومى نصوصًا شعرية فى كتابه الأشهر «المثنوي»).

اللافت أن شاعرنا المتميز الشهاوى استند فى كتابه الجميل هذا إلى نحو 25 مرجعًا مهمًا تتناول أعلام الصوفيين وسيرتهم وكتبهم والدراسات التى بحثت فى إنتاجهم الفكرى والأدبى، الأمر الذى جعلنا أمام كتاب مختلف دقيق موثق بقدر ما هو كتاب آسر يثرى عقل القارئ الجاد ويمتع وجدانه، كما أنه نشر فى آخر الكتاب مجموعة من المختارات من كتابى (المواقف)، و(المخاطبات) اللذين وضعهما النفرى أحد مشاهير الصوفيين الذى ولد بالعراق ومات فى مصر عام 965 ميلادية.

ولأن أحمد الشهاوى شاعر متفرد مجدد خصب الخيال يتقن اللغة العربية إتقانا، ويدرك أسرارها وحلاوتها، فقد جاء كتاب (سلاطين الوجد) بمثابة قطعة بليغة فى فن النثر العربى يصح أن يعود إليها كل من يرغب فى تطوير ذائقته اللغوية وتنمية مهاراته الأسلوبية، وكل من ينشد المتعة فى الصياغة والابتكار والتجديد.

يبقى أن أخبرك أننى عرفت الشهاوى قبل عقود، ودارت بيننا أحاديث ومسامرات فى القاهرة ودبى والشارقة والكويت وصنعاء، وأشهد أننى لم أره مرة واحدة إلا وفى حوزته الكتب، هذا رجل تسير الكتب فى ركابه، فهو قارئ نهم مفتون بالأسئلة يطاردها فى الكتب كما يبحث عنها فى الحياة، فهو شغوف بالمعرفة، حالم بالعثور على إجابات مطمئة للأسئلة الكبرى التى غرست الحيرة فى أفئدة الأقدمين، ومازالت تحيّر المعاصرين.

باختصار... (سلاطين الوجد) كتاب مثير وممتع... كتاب سخى لغويًا ومعرفيًا وإبداعيًا.