رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

ضيفٌ ثقيلٌ غير مُرَحَّب به، لم نعهده منذ عشرات السنين.. حَلَّ علينا رغمًا عنَّا، ببرده القارس وصقيعه المتجمِّد، مصطحبًا معه حالة طقس سيء، لم تصلح معها كل وسائل التدفئة!
جاءت «هبة» لتجتاح مصر وعددًا من البلدان المجاورة، دونما سابق إنذار، وتصب غضبها بشكل خاص على مخيمات اللاجئين السوريين، لتزيد معاناتهم، وتتسبب في تجمُّد عشرات الأطفال والأسر، وجرف مئات الخيام، وتشريد آلاف النازحين.
مشاهد أليمة تابعنا «ما تيسَّر منها»، خصوصًا معاناة الأطفال الذين يرتجفون بردًا، وقد غطَّت الأمطار والثلوج أقدامهم، بعد انهيار خيامهم، واضطرارهم للمشي «حفاة» على الجليد، الذي انتهك براءتهم أمام  سمع وبصر العالم «البارد»!
إذن، تسببت «هبة» ـ كما أحدثت أخواتها سابقًا ـ في تعميق جراح المُهَجَّرين السوريين وزيادة معاناتهم، ليصبحوا في العراء بلا مأوى، بعد أن ضربت بقسوة مخيماتهم في الشَّتات.. خصوصًا شمال غربي سوريا.
هؤلاء «الفارُّون» من جحيم الموت، «يعيشون» حياة بدائية، تفتقر إلى أبسط المقومات الإنسانية.. ربما لا نتصور حجم معاناتهم، لكنهم في الواقع يواجهون الموت البطيء، في ظروف معيشية بالغة السوء، لا ينقصها الحصار أو المجاعة، وفقدان الضمير الذي خرج ولم يعد، وانعدام الرحمة في قلوب العالم، وزوالها من أفئدة «الأشقاء العرب»!
لقد فاقمت «هبة وأخواتها» أوجاع وآلام ومعاناة السوريين، الذين يسكنون العراء ويلتحفون السماء، ولم يجدوا من وسائل التدفئة سوى براميل البارود المتفجرة، ومئات أطنان القنابل التي تتساقط على رؤوسهم!
نتصور أن «هبة» نَذَرَت استخدام قوتها العاتية، ضد الضعفاء المسحوقين، لتترك هؤلاء الساخرين والمنهمكين والمنشغلين في التندر باسمها، غير مبالين بما وصل إليه حال أشقائهم المشردين الذين تجمدت قلوبهم قبل أجسادهم.
ربما تسببت «هبة» في جرح غائر أدمى القلوب، على مَن رُوِّعوا وهُجِّروا قسرًا من بيوتهم، كما تورطت في تغييب الضمائر التي تجمَّدت، وكأنها جاءت لتكشف سَوْءَات وعورات حناجر وأبواق صدَّعت رؤوسنا بحقوق الإنسان!
لم نكن نرغب في معرفة «هبة»، التي صارت مأساة على القابعين في خيام المعاناة، و«غضبها» الذي خلَّف وراءه ظلمًا واقعًا على الشيوخ والنساء والأطفال، ولم تعد تجدي نفعًا كلمات التضامن والمواساة مع ضحاياها الذين أثقلت كاهلهم بقسوتها.
أخيرًا.. رغم تلك المشاهد المرعبة التي تُعيد للأذهان ظُلُمات عصور الجاهلية الأولى، يبقى التضامن ولو بشطر كلمة فَرْضَ عَيْنٍ، مع هؤلاء البؤساء المُلْقَى بهم على قارعة الصحراء الباردة، الذين أصبح لسان حالهم ناطقًا بالعجز والقهر: «مات الفرح في قلوبنا كما ماتت الإنسانية في قلوبكم»!

فصل الخطاب:

«الإنسانية» لا تختلف كثيرًا عن «الدِّين».. لكنها «مرتبة سامية» لا يصل إليها إلا بعض «البشر».

[email protected]