رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بموضوعية

وسقطت ورقة خضراء مزهرة من شجرة دفعة اعلام القاهرة ١٩٨٦، مات ياسر رزق قبل أن تكتمل دائرة احلامه.

مات من وسعتنا شقة والده الصحفى الكبير فتحى رزق  بمدينة نصر عندما كنا لا نملك بيوتا

مات من عرفنا الطريق إلى حديقة نقابة الصحفيين، ونحن مازلنا طلابا في الفرقة الأولى بكلية الإعلام لنتعرف فى هذه الحديقة التاريخية على عمالقة المهنة ورموزها المحترمة نتعلم دروسا ونستمع إلى نصائح ونبدأ أولى خطواتنا في شارع الصحافة.

لم أتوقع أن ياتى يوم واكتب رثاء في ياسر رزق أفضل أبناء الدفعة مهنيا لكنها الأقدار عندما تشاء، لذلك تهرب منى الكلمات، فكيف تعبر الكلمات عن مسيرة تمتد لنحو أربعين عاما وتحديدا منذ سبتمبر ١٩٨٢ شهدت الكثير بدءا من الأحلام المشتركة وحتى اقتسام الساندويتش.

كنا مجموعة كبيرة جاء معظمها من محافظات مصر المختلفة..

الجميع تقريبا كان من أوائل الثانوية العامة في هذه المحافظات ومن خلفيات اجتماعية متشابهة يجمعنا حلم كبير لذلك تقاربنا سريعا واندمجنا في صداقة، كان أكثر ما يميزها هو العطاء المتبادل والمساندة في الشدائد حمدى رزق وعماد الدين حسين وعادل السنهورى ومجدى شندى وأحمد عبدالرازق ومحمد على خير وانور الهوارى ومجدى الجلاد ومن أبناء القاهرة كان أحمد عبدالحميد المخرج المسرحى ابن شبرا وعمرو أديب من سكان وسط البلد وطارق عبدالفتاح المذيع التليفزيونى المثقف ابن منيل الروضة.

بعدما تخرجنا وتجمعنا في شقة مستأجرة في عمارة قديمة بأحد الشوارع المتفرعة من ميدان الجيزة كان يأتى إلينا ياسر كل ليلة بعد انتهاء عمله فى الأخبار وكان يمزح معنا ويرتبنا من حيث مستوى رؤساء التحرير الذين نعمل تحت رئاستهم، كان يقول أنا رئيس تحريرى موسى صبرى وعبدالعظيم ومحمد على يقصد أنا ومحمد على خير رئيس تحريرهم مصطفى شردى أما أنتم فمن رؤساء تحريركم موجها كلامه تحديدا للسنهورى وعماد حسين، حيث كانا يعملان في صحيفة صوت العرب الناصرية وذلك على سبيل المزاح المهنى

وكان هذا المزاح هو مفتاح شخصية ياسر رزق الذى لا أتصور أنه كان يمكن أن ينجح في أى مهنة غير مهنة الصحافة، فقد ملكته المهنة إلى درجة غير عادية، فظل صحفيا حتى النخاع وكما يقول الكتاب منذ أن كنا نتدرب جميعا على إصدار مجلة صوت الجامعة، ونحن طلاب فى السنة الثالثة بكلية الإعلام، ونذهب إلى هيئة خريجى الصحافة بشارع قصر النيل للعمل مع اساتذتنا وحتى وافتة المنية صباح الأربعاء الماضي ظلت المهنة ومفرداتها وقيمها مسيطرة على شخصية ياسر رزق أكثر من أى شيء آخر.

ساعده على هذا الوضوح المهنى نوع من الاستقامة الفكرية مكنته من اتخاذ مواقف شديدة الوضوح، خاصة فى معركة مصر مع التيار الظلامى المتدثر بعباءة الدين، وتحديدا تيار الإخوان المسلمين، فقد كان ياسر ومنذ أن انخرط معظمنا فى تنظيم نادى الفكر الناصرى أثناء المرحلة الجامعية الذى كان يقوده فى جامعة القاهرة في تلك الفترة كل من حمدين صباحي الذى كان يدير مركزا صاعدا للإعلام ويأتى إلينا تقريبا كل أسبوع وعمرو الشوبكى الذى كان يدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ويكبرنا بنحو عامين.

كان ياسر مناهضا للإخوان منذ تلك الأيام بل كان يدير معركة انتخابات اتحاد الطلاب دون أن يترشح وهدفه الوحيد إسقاط قائمة الطلاب الإخوان، رغم أننا فى إحدى السنوات كان على رأس قائمة المرشحين الإخوان صديقنا العزيز أنور الهوارى الذى تخلى بعد ذلك عن هذه الأفكار، لكن ذلك لم يمنع ياسر من اتخاذ ما يراه متفقا مع افكاره ومبادئه.

كما أن عمله لسنوات طويلة محررا عسكريا جعلة دائما ما يقف في الخندق الوطنى عن قناعة، ويصطف إلى جانب الدولة الوطنية المصرية في كل الظروف وربما كان هذا من حسن الحظ أن جمع ياسر بين المهنية العالية والرؤية الوطنية الصافية، وهو ما تجلى في كتابه الأخير سنوات الخماسين.

وياسر رزق الذى وجد نفسه مسئولا عن اسرته باعتباره الابن الأكبر، بعد وفاة والده، ونحن في السنة الأخيرة بالكلية ظل يتحلى بروح المسئولية في كل المواقع التى تولاها سواء على الصعيد المهنى أو على الصعيد النقابى، وكان يحلم باكتمال تحمل هذه المسؤلية بالترشح في انتخابات الصحفيين القادمة على مقعد النقيب لو امتد به الأجل لكنها إرادة الله الذى يقول فى كتابه العزيز: "إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون"

لذلك كله تعطى مسيرة ياسر رزق درسا مهما للأجيال الجديدة القادمة على طريق مهنة البحث عن المتاعب

درسا مفاده أن الإخلاص للمهنة والوطن حتما سوف يضعك فى المكان الصحيح، حتى وإن دفعت ثمنا فى مرحلة ما من حياتك.

هذه هى بعض من ملامح مسيرة أحد أبرز أبناء دفعتنا التى يحسدها الكثيرون من خريجى كليات الإعلام فى مصر ويسمونها الدفعة الذهبية.

بعض ما اسعفتنى به الذاكرة وبعض ما طاوعنى به القلم فكما ذكرت في البداية اننى لم أتخيل يوما أن ارثى ياسر رزق لكنها مشيئة الله ولا راد لمشيئته.

رحمك الله يا صديقي العزيز وغفر لك وتقبلك فى واسع جناته