رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

عقب وفاة أم كلثوم فى 3 فبراير 1975، بنحو شهرين، استضاف النجم سمير صبرى الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب فى برنامجه الشهير آنذاك (النادى الدولي) وسأله بوضوح:

(ما إحساسك بفقدان السيدة أم كلثوم؟)، فقال الرجل بنبرات حاسمة: (أم كلثوم هى صاحبة الصوت الذى لا يعرف المستحيل)، ثم أضاف عبدالوهاب: (لو خطر على بال أم كلثوم أن تضيف شيئًا للحروف أو الجمل التى تترنم بها فى أثناء الغناء لتزيد من روعتها وحلاوتها، تنفذها فى الحال بكل يسر ودون عناء)، فهى تملك (ذبذبات ربانية) تعمل على تحسين أداء الأنغام التى تصدر عن صوتها، وهذا الأمر لا يتوفر لأى مطربة أخرى بهذه الروعة على الإطلاق.

فى هذا اللقاء، الذى أذكر إذاعته جيدًا للمرة الأولى، يكشف صاحب (الجندول) عن أسرار أخرى فى حياة أم كلثوم وطبيعتها الشخصية، فيقول إنها لم تكن تنام بعد انتهاء حفلتها، بل تظل مستيقظة حتى ظهر أو ليل اليوم التالى، لأن أعصابها بعد الغناء تغدو مشدودة متوترة من فرط الانفعال وهى تشدو وتصدح.

ولأن عبدالوهاب حكّاء من طراز فريد يواصل الرجل فى حديثه الشيق مع سمير صبرى، إخبارنا عن عمق علاقته بالسيدة أم كلثوم التى بدأت منذ كانت تأتى من قريتها بمحافظة الدقهلية لتغنى فى صالة (سانتي) ثم تعود، قبل أن تستقر نهائيًا بالقاهرة منذ عام 1923، فكان يناديها (ثومة)، وتخاطبه: (يا محمد).

يحكى صاحب (فى الليل لما خلي) عن كيف تحول بيت أم كلثوم بعمارة بهلر بالزمالك، قبل الانتقال إلى فيلتها، إلى ندوة ثقافية فنية يحضرها كوكبة من أكابر ذلك الزمان، وكيف تخلصت من أجواء الإنشاد الدينى لتثب إلى بحر الغناء الحديث، فهى التى حررت الغناء من (أداء العوالم) بما فيه (لم النقطة)، وجعلته فنا راقيًا يقبل عليه ذوو الذوق الرفيع.

الطريف أن صاحبة أنصع سمعة فى تاريخ الغناء المصرى والعربى كانت عاشقة للبيض، لكنها لم تكن تتناوله قبل موعد حفلتها بعشرة أيام على الأقل، حتى لا يسبب لها مشكلات هضمية، ولكنها، عقب انتهاء الحفلة، تدخل فى حديث تليفونى سائلة عبدالوهاب: (أكافئ نفسى بكم بيضة؟)، فيقول لها: (عشر بيضات)، فتعود وتقول: (لا... لا... تكفى اثنتان)، فيرد: (خليها ثلاثة)، فتوافق.

يفاجئنا عبدالوهاب بأن أحاديثه التليفونية مع أم كلثوم قد تمتد إلى ساعتين أحيانًا، فلما سأله سمير صبري: (فيم تتحدثان؟)، أجاب: (فى كل شيء... فى الحياة... فى الطعام... فى الفن... فى الأدب... فى الموضة... فى شباب هذه الأيام... فى الموت)، ثم استطرد موضحًا أن أم كلثوم كانت تعشق شعر شوقى وتعده أهم شاعر فى تاريخ اللغة العربية، وكانت مفتونة ببيت شعرى فى (مجنون ليلى) حين يشير أحد المارة إلى قبر ليلى الذى يستقبل العديد من الزوار، فيقول: (يُزار كثيرًا، فدون الكثير، فغبًّا، فيُنسى كأن لم يُزرْ). وكلمة (غبَّ) تعنى جاء زائرًا بعد أيام، أو زار فى أوقات متباعدة.

ويؤكد عبدالوهاب أيضًا أن أم كلثوم كانت تؤمن أن سلوك الفنان جزء لا يتجزأ من فنه، فكانت تحيط نفسها وفنها دومًا بالاحترام والإجلال، وهذا لا يتأتى إلا بالابتعاد عن الابتذال فى أى شيء.

وسأل عبدالوهاب نفسه: (هل ستبقى أم كلثوم، أم أن التطور مع الزمن سيجعلها مجرد تاريخ فقط؟)، ويجيب الرجل بينما الدهشة تستحوذ على عينيّ سمير صبري: (أم كلثوم ستبقى لأن أساس البقاء فى الفن هو الإتقان، مع الجمال والموهبة والاهتمام، وكل هذا متوفر فى فن ام كلثوم).

أجل... أم كلثوم رمز الإتقان المطلق، لذا ستظل تسحرنا بغنائها المعجز من قرن إلى آخر.