هَذَا رَأْيِى
يا ليتنا متنا قبل هذا وكنا نسياً منسياً. ما من يوم يمر علينا دون أن نسمع أو نقرأ عن ضرب معلم أو سبه وإهانته أمام تلاميذه، وتمادى الأمر إلى ضرب مديرى المدارس.. حال المعلمين ومديرى المدارس لا يختلف كثيراً عن حال الفرق الطبية خاصة الأطباء..ماذا بلانا وحل بنا وما السبب وكيف نواجه هذه الظواهر التى استفحلت فى مجتمعاتنا؟.
الحقيقة تقول إننا جميعاً شركاء لن نعفى أحداً، بداية من الأسرة التى شغلتها أمور الحياة ومتاعبها عن تربية أبناؤهم مروراً بالمدرسة والجامعة ودور الثقافة والسينما والتلفزيون وصولاً للإعلام.. معظم، إن لم تكن كل، حالات التعدى على المعلمين والأطباء تحدث فى مدارس ومستشفيات الغلابة.. مدارس حكومية، مستشفيات حكومية تعانى مما تعانيه من ضعف امكانات وقلة موارد وتجهيزات.. فما ذنب معلم يتعامل مع فصل به أكثر من سبعين تلميذاً والكثير منهم لا يجد مقعداً يجلس عليه وعجز ولى أمره عن تدبير دروسه الخصوصية ومصاريفه المدرسية.. وما ذنب طبيب لا يجد ما يقدمه للمترددين عليه والمحتاجين للعلاج وجيوبهم خاوية إلا من ستر الله وعطف طبيب قد يفقد أعصابه من شدة الضغوط وقلة الحيلة.. النتيجة أن الجميع لا يجد أمامه سوى المعلم والطبيب ليفجر جرعة الغضب فى وجهه.. هذه ظاهرة تهدم الأمم وتقضى على حضارتها وقيمها.
يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة عليك بالتعليم ولكى تهدم التعليم عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية فى المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه. وكذلك إذا أردت أن تضٌيع حضارة عليك بالقدوة والمرجعية ولكى تسقط القدوات عليك بالعلماء.. اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدى بهم أحد.
إذا اختفى المعلم وسقطت القدوة والمرجعية، فمن يربى النشء على القيم؟ عذراً لأصحاب أرقى مهن وأسمى رسائل، أنتم أمل الأمة.. يا مربى الأجيال وصانعى العقول، يا من تجعل من الجاهل متعلمًا. فلولا وجودك لما كان للعلم مكانة.. فأنت صاحب الفضل الأكبر فى تقدّم الأمم وتطورها وبلوغها قمة العلم فى الاكتشافات والاختراعات؛ فأنتما أيها المعلم والطبيب صاحبا مهن عظيمة ورسائل سامية.
أنت أيها المعلم مَن تصنع الطبيب والمهندس والصيدلانى والمحامى وأصحاب جميع المهن من متعلمين وحرفيين، ولولاك ما استطاع هؤلاء أن يحققوا شيئًا فى درب العلم والمعرفة. أنت أيها الطبيب يا مَن جعلك الله وسيلته فى الأرض للتداوى كونوا عند حسن ظن ربكم والغلابة بكم؛ ممن لا يجدون غير مدارسكم ومستشفياتكم التى دخلت معظمها غرف العناية..
حمايتكم وحفظ كرامتكم واجب مقدس يتساوى مع عظَم رسالتكم.. حبس ولى الأمر الذى أمسك بالمعلم ليضربه بحذائه وقعت على رءوسنا كالصاعقة.. تصرف جعلنا جميعاً دولة وأفراداً نشعر بالخزى والعار.. العدالة الناجزة فى مثل هذه الحالات هى الردع..ما تم من سرعة فى التحقيق والإحالة العاجلة والحكم بحبس ولى الأمر عامين حكم أثلج صدورنا. وننتظر قرارات بحق التلميذ مرتكب الواقعة.. التعامل بنفس الحزم والعزم مع حالات التعدى على المعلمين والأطباء هو الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجرائم.. حماية المنشآت التعليمية والصحية أمر واجب شأنه شأن حماية المنشآت الشرطية والعسكرية إذا كنا نريد النهوض بجمهوريتنا الجديدة.