رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خلال فترة طاعون عام ١٥٧٦، اختار موظف من باليرمو- صقلية «الذهب والنار والمشنقة» ليكون شعاراً لتلك المرحلة.. فالذهب لدفع التكاليف، والنار لحرق البضائع المشكوك فيها، والمشنقة للفقراء الذين يتحدون سلطة مجلس الصحة.. وبعد هذا الشعار نرحب بكم فى عالم «كورونا ومتحوره أوميكرون» نوفمبر ٢٠٢١، سواء كان هذا الفيروس تم تصنيعه أم لا، فالنتيجة والواقع الذى نعيشه الآن مرعب دون إلقاء اللوم على الخفافيش الأصلية المسببة للوباء، أو خفافيش البشر التى تتلاعب فى الظلام.

وعقب الإعلان عن ظهور المتحور «أوميكرون»، بدأ الرعب يسيطر على العالم من جديد، ليدفعنا إلى المربع صفر منذ بداية الجائحة وانتشار الوباء «كوفيد» فى ٢٠١٩.. وبدأت معه براكين التصريحات تنفجر من جديد، بعد هدوء حذر لم يكمل عامه الثانى بين مراحل البحث عن اللقاح وتوزيعه، ثم احتجاجات رافضة لإلزامية التطعيم والإجبار عليه، وبين مرحلة التعايش مع هذا الوباء، منها:

- بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطانى المعروف بصراحته الصادمة أعلن أن سلالة «أوميكرون» يمكنها الانتشار بسرعة حتى بين متلقى اللقاح المضاد للفيروس، واعتبرت الولايات المتحدة على لسان مدير المعهد الأمريكى للأمراض المعدية أنتونى فاوتشى أن المتحور الجديد إنذار خطير ومثير للقلق، وسارعت العديد من الدول إلى فرض قيود سفر مع الدول التى ظهرت فيها حالات الإصابة بالمتحور «أوميكرون».

- وبعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات من ظهور كوفيد ١٩، ومرور العالم بفترات وباء مختلفة على مر التاريخ، يبدو أننا رغم كل هذا التقدم لم نتعلم الدرس جيداً، ووقفنا عاجزين عن مقاومة وباء يتحول تدريجياً فى قوته إلى طاعون العصر.. ودخلنا فى مرحلة الانتشار العشوائى للفيروس وتحوره بانتقاله من عائل إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، مع فقدان السيطرة والعجز عن احتوائه أو القضاء عليه.

فما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن هذه البارحة تمتد إلى صيف عام ١٣٤٧، حيث اعتلت الفئران والبراغيث المصابة بالطاعون متن السفن التجارية فى البحر الأسود، وخلال بضعة أشهر بدأ الطاعون يفتك بثلث سكان العالم تقريباً، وبدأت محاولات البحث والسيطرة على الوباء الجديد، كما نفعل نحن اليوم تماماً دون تغيير منا أو ابتكار وسيلة جديدة للمقاومة.

- فقد ابتكرت مدينة فلورنسا خلال فترة انتشار الطاعون «مفهوم النظام» وهو مشروع التحكم والتدخل الاجتماعى فى حياة الناس حسب ما ذكره شلدون واتس فى كتابه الأوبئة والتاريخ، ترجمة أحمد محمود عبدالجواد، وهذا المفهوم برر التدخل فى حياة الناس العاديين خلال أزمة الوباء، ولم تستطع سياسات هذا المشروع إعاقة انتشار الطاعون فى فلورنسا المدينة السلطوية ذات وسائل التحكم مثلها مثل مدن أخرى فى تلك الفترة.

- فى تلك الفترة أيضاً كانت المقاومة الشاملة للطاعون تتكون من خمسة عناصر:

- سياسة دقيقة لانتقال البشر من المناطق المصابة بالطاعون إلى تلك التى ما زالت خالية باستعمال الحجر الصحى البحرى أو البرى.

- دفن إجبارى للموتى بالطاعون فى حفر خاصة، والتخلص من متعلقاتهم الشخصية.

- عزل المرضى بالطاعون فى مستشفيات الأمراض المعدية وحجز عائلاتهم فى منازلهم أو فى غرف مؤقتة بعيدة عن الأماكن المأهولة.

- تقديم خدمة مجانية وإطعام الناس الموجودين فى العزل.

- تقديم المعونة لمن انهارت حياتهم نتيجة غلق الأسواق والذين لا يملكون مخزوناً من الطعام يعتمدون عليه.

- وفى إنجلترا بعد عام ١٥٧٨ فرضت الحكومات عزلة منزلية على كل الأسر من ضحايا الطاعون، وطالبت بإغلاق أبواب البيوت الموبوءة بألواح من الخشب، وأن توضع المواد الغذائية الضرورية فى سلال تتدلى بالحبال، وفى إنجلترا ١٦٠٤ كان يمكن لأى شخص يُعتقد أنه مصاب بالطاعون ويوجد فى الشارع أن يشنق بطريقة قانونية، وفى فلورنسا ابتكر أرباب الحرف طرقاً للتحايل لإحباط عملية العزل.. وهذا أيضاً ما يفعله البعض حالياً للتحايل على الإصابة والخروج للعمل فى محاولة لكسب رزق يومه وإطعام أسرته.

- كل ما سبق من إجراءات اتخذت من ٤٠٠ عام وأكثر، وهو ما فعلناه ومازلنا نتبناه حتى كتابة هذه السطور، مع اتجاه غالبية دول العالم إلى تطبيق مفهوم التدخل وفرض قيود صارمة لمقاومة انتشار «كورونا» أو الحد منه ولم تفلح تلك الطرق.

الواقع يفرض علينا ضرورة البحث عن اختراع نوع جديد من المقاومة يتناسب مع هذا الوباء، قبل أن يفعل بنا ما فعله الطاعون متجسداً فى وصف الكاردينال سبادا حيث يقول:.. «ها أنت محاط بروائح لا تطاق.. لا تستطيع أن تمشى سوى بين الجثث.. وهذه صورة طبق الأصل من الجحيم حيث لا يوجد هنا نظام سوى رعب ينتشر».

- فى النهاية تبقى كلمات الطبيب الأندلسى ابن الخطيمة عن الطاعون شهادة صالحة فى عصرنا على وباء «كورونا» أيًّا كانت سلالاته أو متحوراته.. يقول ابن الخطيمة إن:

«...هذا مثالاً على المآثر العجيبة والقوة الإلهية، لأنه لم يحدث من قبل بمثل هذا الانتشار والاستمرار.. ليس هناك تقارير مقنعة أعطيت حوله.. والله وحده يعلم متى سوف ينتهى هذا المرض».

[email protected]