رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

عجزت عن تحديد مشاعرى،هل أضحك أم أبكى، حين استمعت لثائر سودانى، يمارس ثوريته من  باريس، وهو يتحدث لقناة فرنسا 24 عن الأزمة السودانية الراهنة ويتطاول علي مصر.

للدكتور منصور خالد المفكر والسياسى كتاب من جزءين، بعنوان «النخبة السودانية وإدمان الفشل» تحدث فيه عن دور النخب السياسية والحزبية والثقافية فى الحكم والمعارضة، فى تدهور أحوال السودان منذ استقلاله، ودخوله فى دائرة مفرغة من ثورة تقود لحكم مدنى يفتقد لأية رؤية، وينغمس فى صراعات هامشية على السلطة، فيسلم الحكم للجيش، أو يطيح به انقلاب عسكرى، لتعود تلك الحلقة الجهنمية  إلى الدوران من جديد.

ولو ان الثائر السودانى، أو غيره ممن يصعدون خطاب الكراهية ضد مصر داخل السودان وخارجه، يقرأون التاريخ قراءة دقيقة ومنصفة، لأدركوا أن مثل تلك الخطابات لا تقدم حلولا للأزمة الراهنة، بل هى تخرج بها إلى ساحة معارك مفتعلة، تبعدها عن أسبابها الحقيقية، وتدخلها فى الدائرة التى حددها منصور خالد وهى «إدمان الفشل».

عجزت أنظمة الحكم على امتداد نحو 65 عاما، من قيادة مشروع سياسى يحفظ استقرار السودان، ويصون وحدته بتحقيق سلام شامل وعادل فى بلد يعد من حيث مساحته الشاسعة، أكبر دولة أفريقية. وفشلت فى الحفاظ على هويته المتعددة بالغة الثراء التى تنطوى على نحو  570 قبيلة من أصول عربية وأفريقية، و57 مجموعة عرقية تنقسم على أساس من اللغة والثقافة، و114 لغة مكتوبة وشفهية، وديانات سماوية وأرضية، وغير ذلك من أوجه التنوع التى أخفقت فى إدارته، بما يحقق طموحات منتسبيه فى العدل الاجتماعى و يقر بحقوق المواطنة، ويقيم مشاريع التنمية المتساوية والدائمة، ويفصل  بين مؤسسات الدولة والدين.

كان من الطبيعى والحال هكذا، ان يندرج السودان فى عداد الدول «الرخوة» التى تتسم مؤسساتها التنقيذية والتشريعية والقضائية، والأمنية، بالضعف والهشاشة، ويفتقد فيه العمل الإدارى للكفاءة البيروقراطية، وينتشر فيه الفساد، ويغيب عنه الشفافية، وينعدم فيه احترام سلطة القانون. وبجانب ذلك انتشر السلاح فى كل أقاليم ومدن السودان ،وعجزت الأجهزة الأمنية عن محاصرة تلك الظاهرة. وباتت الجماعات المسلحة الخارجة على سيطرة الدولة، والمرتبط معظمها بمصالح غربية وعربية، متحكمة فى حاضر السودان ومستقبله.

لن تكون الأزمة الراهنة فى السوان هى الأخيرة من نوعها، إذا لم تكف النخب السياسية التى ينتمى معظمها إلى تكتلات طائفية، وإلى احزاب أيديولوجية، و تجمعات  ثورية منقسمة ومفتتة، عن تغذية الصراع مع الجيش، المؤسسة الوحيدة التى تتسم بالتماسك والقوة، والاعتراف بدوره فى نجاح كل الثوارات السودانية باختياره الانضمام لمصالح الشعب السودانى.

وبدلا من  فتح معارك جانبية  لا معنى لها مع مصر، يظن البعض أن الثورية لا تكتمل إلا بها، بينما هى تطيل الأزمة الداخلية، وتتغافل عن تدخلات  خارجية  حقيقية تتعاظم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، فلتجتهد القوى الحريصة حقا على السودان ومستقبله، للبحث الجدى عن بدائل للنظام البرلمانى القائم، الذى تم اختياره عشوائيا منذ الاستقلال، فانتهى بسيطرة قوتين طائفيتين هما حزبا الأمة والاتحادى الديمقراطى على الحياة البرلمانية والسياسية،وتصاعد الصراع  بينهما على تقاسم السلطة، وعجز أى منهما عن الحصول على أغلبية تؤهله للحكم منفردا. والحكومات الائتلافية بينهما لم تفشل فقط فى حل مشاكل السوادن، بل فاقمتها. وتلك بحق هى الأزمة الحقيقية الراهنة فى السودان، إذا كان للحكمة أن تسود وللعقل أن ينتصر.