رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من كتابى الحرب الصهيونية ضد الكنيسة المصرية ذهب الجميع فيما تناولوا الإجابة عن هذا السؤال إلى الإجابة التقليدية القائمة على جوانب الاختلاف بين البابا والسادات، ومن داخل ذلك نطرح سؤالاً مهماً تتشعب منه رؤيتى للإجابة التى أريد طرحها: لماذا رفض البابا شنودة معاهدة كامب ديفيد؟

السؤال: هل البابا شنودة رأس الكنيسة القبطية التى تسلمت الإنجيل من مرقس الرسول أحد رسل المسيح الذين تسلموا بشارة السلام والمحبة التى بها الآية الشهيرة التى تعتبر دستوراً اجتماعياً للمحبة فى المسيحية وهى آية (مت 5: 9): طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون،، ومعها الآية الأكثر سلاماً ومحبة، متى 5: 39 «بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً»

نعم التعاليم المسيحية وبشارة الإنجيل هى رسالة سلام ومحبة للجميع، ولذلك أفليس بالحرى أن ندقق ونبحث بقوة عن الأسباب المنطقية التى جعلت البابا لا يعترف بالدولة اليهودية ولا بمعاهدة السلام، وظهر هذا جلياً وبشجاعة أثناء مقابلة الرئيس الأمريكى جيمى كارتر وبسؤاله عن رأيه فى موضوع القدس، فكان رد «البابا شنودة»: إن اليهود ليسوا شعب الله المختار فى الوقت الحاضر، وإلا ماذا نسمى الكنيسة المسيحية؟، فإذا كنا نعتقد أنهم شعب الله المختار فمعنى ذلك أننا- المسيحيين- لسنا مختارين من الله بالمرة.

إجابة البابا لخصت كلمات الكثير عن المخطط الصهيونى للمنطقة العربية وما تقوم وستقوم به ضد الكنيسة المصرية، والصهيونية العالمية التى انصهرت داخلها البروتستانتية اللوثرية استخدمت بعض آيات الإنجيل وتطويعها وإخراجها من سياقها التاريخى والروحى لاستخدامها فى مخططاتهم لبناء الدولة الصهيونية على الأرض الفلسطينية.

وبهذا أجزم بأن البابا شنودة بثقافته العميقة ورؤيته المتسعة للأحداث وحسه الوطنى كان يرى ويعلم أبعاد المخطط الصهيونى وعبَّر عن ذلك فى الكثير من المواقف والأحداث وكان يعلم بكل وضوح أن تلك المرحلة تحاول الصهيونية أن تدخل بكل مكوناتها الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية إلى المجتمع المصرى للعمل على تجريف وتجويف هويته والخروج بها من ثوبها التاريخى الحضارى إلى ثوب آخر يتم استنساخه بالثقافة الصهيونية وذلك لتصبح تلك الهوية ضعيفة وقابلة للتطويع والتركيع واستخدامها كمنصة تصويب نحو تحقيق الأهداف الصهيونية فى المنطقة.

وبهذا نستطيع حصر الصراع بين البابا والسادات وهو صراع بين الهوية المصرية التى تمثلها الكنيسة القبطية وعوامل التعرية الصهيونية التى كانت تحاول أن تستخدم الأحداث السياسية لنظام السادات للدخول إلى مصر.

وقد عبر البابا شنودة بكل وضوح وقوة لمواجهته للمخطط الصهيونى وقيام كيانه فى فلسطين ففى ديسمبر 1971 داخل نقابة الصحفيين ألقى محاضرة شهيرة قد ترجمت إلى لغات عدة، تحدث‏ ‏قداسته‏ ‏عن‏ ‏سيناء‏ ‏وذكر‏ ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏من‏ ‏أرض‏ ‏الموعد‏ ‏الذى ‏يدعونه‏, ‏إنما‏ ‏كانت‏ ‏أرض‏ ‏المتاهة‏ ‏أو‏ ‏أرض‏ ‏العقوبة‏ ‏أو‏ ‏أرض‏ ‏الفناء‏, ‏حيث‏ ‏أتاههم‏ ‏الله‏ ‏فيها‏ ‏أربعين‏ ‏سنة‏, ‏ليفنى ‏هذا‏ ‏الجيل‏ ‏المتمرد‏ ‏الذى ‏تمرد‏ ‏عليه‏ ‏وحاول‏ ‏رجم‏ ‏موسى ‏النبى ‏واختيار‏ ‏رئيس‏ ‏آخر‏ ‏بدلاً‏ ‏منه‏, ‏وفيها‏ ‏مات‏ ‏كل‏ ‏الرجال‏ ‏الذين‏ ‏جاءوا‏ ‏من‏ ‏أرض‏ ‏مصر‏ ‏ولم‏ ‏يدخل‏ ‏منهم‏ ‏إلى ‏فلسطين‏ ‏إلا‏ ‏يشوع‏ ‏بن‏ ‏نون‏ ‏وكالب‏ ‏بن‏ ‏يوفنة‏ ‏فقط‏, ‏كما‏ ‏شهدت‏ ‏سيناء‏ ‏كيف‏ ‏عبدوا‏ ‏العجل‏ ‏الذهبي‏, ‏وكيف‏ ‏تمردوا‏ ‏على ‏الله‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏.‏

وفى ‏الوقت‏ ‏الذى ‏جمع‏ ‏فيه‏ ‏الله‏ ‏اليهود‏ ‏فى ‏أرض‏ ‏فلسطين‏, ‏كان‏ ‏العالم‏ ‏كله‏ ‏يموج‏ ‏بالوثنية‏, ‏الفئة‏ ‏الوحيدة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏تعبد‏ الله‏ ‏هى ‏أولاد‏ ‏إبراهيم‏, ‏ونحن‏ ‏لا‏ ‏ننكر‏ ‏إطلاقاً‏ً ‏أن‏ ‏منهم‏ ‏خرج‏ ‏الأنبياء‏, ‏وكانت‏ ‏مجموعة‏ ‏مؤمنة‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الحين‏, ‏ليس‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏يعطيهم‏ ‏أرضاً‏, ‏وإنما‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏أن‏ ‏يحتفظوا‏ ‏بالإيمان‏ ‏ويحتفظوا‏ ‏بالعقيدة‏ ‏ويحتفظوا‏ ‏بالكتاب‏ ‏المقدس‏, ‏حتى ‏ينقلوه‏ ‏إلى ‏جيل‏ ‏آخر‏ ‏يتسلمه‏ ‏منهم‏. ‏وقد‏ ‏مرت‏ ‏بهم‏ ‏فترات‏ ‏عبدوا‏ ‏فيها‏ ‏الأصنام‏ ‏وتركوا‏ ‏فيها‏ ‏الله‏, ‏وعندما‏ ‏جاءت‏ ‏المسيحية‏ ‏تسلمت‏ ‏ما‏ ‏عند‏ ‏اليهود‏ ‏من‏ ‏وديعة‏.. ‏الكتب‏ ‏المقدسة‏ ‏والعقائد‏ ‏والطقوس‏ ‏والإيمان‏ ‏ذاته‏, ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏انتهى ‏دور‏ ‏اليهود‏ ‏وأصبح‏ ‏الإيمان‏ ‏بوجود‏ ‏الله‏ ‏فى ‏كل‏ ‏ركن‏ ‏من‏ ‏أركان‏ ‏الأرض‏, ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏أصبح‏ ‏دور‏ ‏اليهود‏ ‏كشعب‏ ‏الله‏ ‏المؤمن‏ ‏قد‏ ‏انتهى ‏وأصبح‏ ‏الشعب‏ ‏المختار‏ ‏هو‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يؤمن‏ ‏بالله‏, ‏ومن‏ ‏هنا‏ ‏انتهت‏ ‏فكرة‏ ‏أرض‏ ‏معينة‏ ‏يعيش‏ ‏فيها‏ ‏هذا‏ ‏الشعب‏.‏

وتكلم‏ ‏قداسته‏ ‏عما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏فى ‏الكتاب‏ ‏المقدس‏ ‏تنبؤات‏ ‏عن‏ ‏رجوع‏ ‏اليهود‏ ‏لفلسطين‏ ‏حالياً‏, ‏فأثبت‏ ‏عدم‏ ‏وجود‏ ‏ذلك‏, ‏وأن‏ ‏الآيات‏ ‏الموجودة‏ ‏عن‏ ‏رجوع‏ ‏اليهود‏ ‏من‏ ‏سبى ‏بابل‏ ‏قبل‏ ‏خمسين‏ ‏سنة‏ ‏من‏ ‏مجيء‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏, ‏وقد‏ ‏تحققت‏ ‏هذه‏ ‏الآيات‏ ‏وانتهى ‏موضوعها‏.‏

ذكر‏ ‏قداسته‏ ‏أن‏ ‏أورشليم‏ ‏قد‏ ‏خربت‏ ‏سنة‏70 ميلادية‏, ‏ونقصد‏ ‏بالخراب‏ ‏خراب‏ ‏الأوضاع‏ ‏الخاطئة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏فيها‏, ‏وتفرق‏ ‏اليهود‏ ‏فى ‏أرجاء‏ ‏الأرض‏ ‏كلها‏, ‏وتزاوجوا‏ ‏مع‏ ‏الشعوب‏ ‏الأخري‏, ‏وأصبحت‏ ‏فيهم‏ ‏دماء‏ ‏غير‏ ‏الدماء‏ ‏الأولى. ‏أما‏ ‏فكرة‏ ‏بناء‏ ‏هيكل‏ ‏سليمان‏ ‏فهى ‏فكرة‏ ‏خاطئة‏, ‏لأن‏ ‏الهيكل‏ ‏بنى ‏لتقديم‏ ‏الذبائح‏ ‏به‏ ‏لمغفرة‏ ‏الخطايا‏, ‏وبمجيء‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏انتهت‏ ‏الذبائح‏ ‏وبالتالى ‏انتهت‏ ‏فكرة‏ ‏

هيكل‏ ‏سليمان‏.‏

هكذا كان موقف البابا شنودة من الكيان الصهيونى واستقراء المخطط الجهنمى القائم حالياً.