رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

يمثل التسامح قبول الآخر المختلف، ولم يبزغ التسامح فى أوروبا إلا مع تراجع دور الدين فى المجال العام الاجتماعى، فهل يمكن أن يسود التسامح فى مجال اجتماعى يسود فيه التعصب الدينى؟ وإذا أردنا أن نناقش أبعاد مسألة التسامح فى التقاليد الثقافية الكلاسيكية نقول إن جوهر الاختلاف عند القدماء هو الاختلاف الدينى، ولا شك أن الاختلاف الدينى كان لابد أن يحدث لأنه حينما وجد التعامل مع نص وخبر مقدسين كليهما يحمل ويتناقل بلغة تتخذ سمة الإجمال والإشارة والرمز فتتعدد التأويلات ثم هناك قياس الوقائع المتجددة على النص الثابت المجمل، كل هذا يؤدى إلى اختلاف فى القراءة، فينتصب على رأس كل «قراءة» إمام يتحلق حوله أتباع، وهكذا تنشأ المذاهب وتختلف، ومن تم كانت قراءة النص سبيلًا إلى الاختلاف والتعدد، وتفرقت الأهواء، والأحرى القول اختلفت الآراء لاختلاف الأهواء أى لاختلاف القبائل والشعوب، وتباين الأحزاب والفرق، وتعدد اللغات والثقافات والأعراض «وقد آل الاختلاف إلى التباين، لأن الاختلاف مدعاة إلى المجادلة والمنازعة، والمنازعة تحمل على التعصب والتخريب، وتورث العداوة والبغضاء، وكان تعصب كل واحد لفرقة يزداد مع الأيام، واستحكم العداء فى النفوس، ونشبت الحروب، ووقع الاقتتال البغيض فى الأمة ففنيت فرق وبقيت أخرى، وتعمق الشرخ بين الفرق الباقية وظهر التمايز، وكان كل فريق يعمل جاهدًا لدعم موقفه، ونصرة رأيه حجاجًا وتنظيرًا أو تقعيدًا وتأصيلًا».

ومن ثم يمكن القول بأن الاختلاف على المستوى العقائدى فرقًا ومذاهب أدى إلى عدم وجود روح التسامح على مستوى الخطاب العقائدى، فرغم الحديث عن إيجابيات الاختلاف على مستوى الفروع أو علم أصول الفقه، أو الفقه، كان التنديد قويًا بذلك على المستوى الكلامى والتأويل الاعتقادى باعتباره خلافًا من شأنه أن يفضى إلى القطيعة، ويمنع أى تواصل، ليس ذلك فحسب على مستوى المفاهيم والمصطلحات أو على المستوى المعرفى والعلمى، بل إن القطعية تنسحب كثيرًا على المستوى العملى، وفى المجال الاجتماعى على الخصوص الأمر الذى أغرى البعض بالإسراع إلى توظيف مفهوم «السنة» لرفعه كسلاح فى وجه مخالفيه ممن ينعتهم بأهل البدع والأهواء من المتكلمين الذين لا تكفى مخالفتهم فى الرأى ووصف مواقفهم.

ومن ثم فإن أعمال الملل والنحل، وكتب الفرق قد كتبت بروح إقصائية خالصة، وتحدثت عن حديث الفرق الناجية، واعتبار كل فرقة منها هى الفرقة الناجية دون غيرها، ولكن الغالب على تلك المدونات، يكشف عن رغبة الأشاعرة فى الاستئثار بالنجاة دون غيرهم، واعتقادهم أنهم «أهل الحق» لا يشاركهم فى ذلك غيرهم من الفرق المخالفة «وبعد حرق معظم أعمال المعتزلة، كان التعرف على فكرهم لا يتم إلا عبر مصنفات ثانوية لأهل السنة».

ومن هنا يمكن القول بأن الاختلاف على المستوى العقائدى فى كتب الكلام كان يؤدى إلى الإقصاء والتكفير، وعلى الرغم من أن الاختلاف الفقهى كان محمودًا على مستوى التنظير حول العقائد الإسلامية فإن الفقه الإسلامى حاول أن يقنن وضعية أهل الذمة فى الدولة الإسلامية، وقد تفاوت الفقه الإسلامى بين التشدد والتسامح مع أهل الذمة، «وهناك حقان أساسيان لهما: حق ممارسة دينهم، وحق حماية السلطة الإسلامية لهم، ومقابل ذلك عليهم دفع الجزية، وقد فصل الفقهاء فى تقديرها وتوقيتها، وعليهم مثلًا ألا يشيدوا كنائس ومعابد جديدة، وعليهم أن يلتزموا بالامتناع عن التبشير، وقد ألزمهم بعض الفقهاء التمييز باللباس والشارة. ومن ثم فإن التسامح يظل قيمة مفقودة فى أرض يسود فيها الفكر الدينى المتشدد.