رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

إنها مؤسسة جبارة ذات تأثير طاغ، رغم أنها مؤسسة شبحية... غير مرئية، إذ لا نعرف لمؤسسة الذوق الفاسد عنوانا ولا مقرًا، ولا يعلم أحد من هم أعضاء مجلس إدارتها، لكنها تتمدد وتنتشر... تتوغل فى عظام المجتمع وتصهر وجدانه فتفسد الذوق وتعكر الأيام.

تنشط هذه المؤسسة الملعونة فى مجالات عدة، لكن أبرزها الفنون والآداب والإعلام، وتتولى مواقع التواصل الاجتماعى الترويج المشبوه لنشاط هذه المؤسسة الذى يتنامى بشكل مريب من يوم إلى آخر، فحين نطل على المشهد الفنى تستقبلنا عشرات الأغنيات ذات المعانى المبتذلة والموسيقى المنفرة تؤديها أصوات خشنة محرومة من النبرة الحلوة، ومع ذلك تحقق تلك الأغنيات ملايين المشاهدات على يوتيوب ولا يتورع الشباب عن ترديدها فى رحلاتهم وأفراحهم وسمرهم.

الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الأفلام والمسلسلات، فكم انهمرت على وجدان الناس أعمال بالغة الغلظة مصنوعة بركاكة لا تحمل فكرة لامعة ولا تهب المشاهد المتعة الراقية، وتحتشد بمفردات بذيئة سوقية. ورغم ذلك يغدو ممثلوها (نجومًا كبارًا) على السوشيال ميديا، فينتفخون بالغرور ويتحدثون بعنجهية، والأسوأ أن الشباب الصغير يقلدونهم فى تصرفاتهم وعباراتهم وسلوكياتهم!

أما إذا حاولنا أن نطل على المشهد الأدبى فسوف يعترينا الذهول من فرط التشويش الذى يمسك بخناقه، فنرى نصوصًا روائية متوسطة القيمة تحقق أعلى المبيعات، ونقرأ على صفحات الفيسبوك عشرات الكتابات التى تمدح رواية باهتة وترفع من شأنها، وإذا اعترض أحد على هذا المديح يقولون لك: (إنه اختلاف الأذواق)، وهو قول غير صائب، لأن الأدب الرفيع من شأنه أن يسمو بذوق القارئ، وإلا تساوى المتنبى وشوقى مع شاعر محدود، أو تعادل ماركيز ومحفوظ مع روائى قليل الموهبة بزعم أن المسألة مجرد اختلاف أذواق، وأننى أستمتع بقصائد هذا الشاعر أكثر من افتتانى بقصائد المتنبي!.

 وأما ما يحدث فى الإعلام، خاصة فى العديد من القنوات الفضائية المصرية فأمر بالغ البؤس، حيث نشاهد الكثير من مقدمى البرامج ينهالون علينا بوصلات من الشتائم المقززة للذين يختلفون معهم فى الرأى، ولا يجدون أية غضاضة فى أن يثيروا قضايا جانبية تافهة لا تهم الناس ولا تحترم وعيهم وذائقتهم. حين أتأمل ذلك أتحسر على ما كان، فقد استمتعت بمتابعة كوكبة محترمة من مذيعى التليفزيون المصرى قديمًا أمثال حمدى قنديل وسمير صبرى وأمانى ناشد وهند أبوالسعود ونجوى إبراهيم وفريال صالح وفريدة الزمر وفايق الزمر وشفيع شلبى ومحمود سلطان وحمدى البلك وفاروق شوشة ودرية شرف الدين وكابتن لطيف الذى كان يقدم أحد البرامج الرياضية مطلع السبعينيات... وأشهد أن هؤلاء جميعًا كانوا يتمتعون بثقافة راقية تعززها فضيلة الإنصات إلى الضيف، فلا يقطعون حديثه ولا يحرفون كلماته. كما أزعم أن أيًا من هؤلاء المذيعين المحترمين لم يتفوه أبدًا بأى كلمة غليظة أو سوقية أمام الناس الذين يشاهدونه على الشاشة، بل كانوا يتحدثون اللغة الفصحى الرشيقة أغلب الوقت، ولا يخاطبون الضيف إلا بكلمة (أستاذ) أو حضرتك.

للأسف... نجحت مؤسسة الذوق الفاسد فى فرض هيمنتها على المجتمع، فانصاع لجبروتها الغالبية العظمى من الناس، فبات من الطبيعى أن نجد الشاعر والروائى والمهندس والمحامى والفنان والطبيب والمدرس والصحفى والمحامية والفنانة وأستاذ الجامعة... معظمهم ينشرون (بوستات) على فيسبوك مليئة بالبذاءة والسباب وبأبشع المفردات العامية المبتذلة، أو يكتبون آراءهم وأفكارهم بلهجة ركيكة لا سمو فيها ولا حلاوة، مثلهم مثل الإنسان المسكين المحروم من العلم والثقافة، رغم أن (فيسبوك) يوفر فرصة ذهبية لأولئك وهؤلاء كى يقدموا للناس آراءهم وكتاباتهم بأسلوب راق يثير الأسئلة ويمتع الوجدان.

أجل... لا مفر من مواجهة مؤسسة الذوق الفاسد بكل قوة!