عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

أما المعلومات فمذهلة ومثيرة، وأما الإنسان وقدراته فبلا حدود، وأما المدينة الصينية الخارقة فهى «ييوو»، وسأشرح لك توًا عجائب تلك المدينة التى تضم أكبر سوق جملة فى العالم للسلع الصغيرة، والتى تقع على الساحل الشرقى للصين، حيث يقطنها نحو مليون وربع المليون نسمة.

تضم المدينة 80 ألف محل تجارى على مساحة تبلغ ثمانية ملايين متر مربع، ولك أن تتخيل أن الزائر الذى يمضى ثلاث دقائق فقط فى كل محل، سيغدو فى حاجة إلى عام ونصف العام كى يمر بجميع المحلات، علمًا بأن هذه المحلات تعرض نحو 400 ألف منتج يتفحصها 200 ألف زائر يوميًا، أى ستة ملايين زبون كل شهر، وسأترك لجنابك تخيل حجم الأرباح المتوقعة!

وفقا للفيلم الوثائقى الذى عرضته القناة الألمانية (دويتشه فيله DW) عن هذا السوق، فإن كل السلع المعروضة تم تصنيعها فى مدن الصين المختلفة، حيث ترد تلك السلع إلى مدينة «ييوو»، ثم تنقل بعد ذلك إلى جميع أنحاء العالم.

اللافت أن 60% من احتياجات السوق العالمى من زينة عيد الميلاد تصنع فى الصين وتعرض فى هذه المدينة الباذخة، رغم أن الصينين لا يحتفلون بعيد الميلاد ولا يؤمنون بالسيد المسيح! لكنهم قوم أذكياء درسوا السوق العالمي دراسة وافية، واستعانوا بمصممين من أوروبا وأمريكا ليبتكروا لهم منتجات تناسب المزاج الاحتفالى الخاص بعيد الميلاد، ثم عكفوا على تصنيع هذه المنتجات بدأب ومثابرة ودقة لدرجة أن إسبانيا، على سبيل المثال، توقفت عن إنتاج هذه الزينة منذ سنوات، وقنعت باستيرادها من الصين، لأنها أرخص، فأحد المتاجر المتخصصة فى «ييوو» يبيع نحو 60 ألف قطعة من زينة عيد الميلاد كل عام، وفى عبارة لطيفة مترعة بالثقة قال صاحب المتجر الصيني: (إننا سنظل ننتج ونبيع زينة عيد الميلاد مدى الحياة لأنهم لن يتوقفوا فى أوروبا وأمريكا عن الاحتفال به).

على مسافة 13 ألف كيلومتر تتحرك القطارات فى خط سير محدد من «ييوو» بالصين إلى مدريد بإسبانيا حاملة آلاف البضائع كل أسبوع، حيث تمر القطارات بكازاخستان وروسيا وروسيا البيضاء وبولندا وألمانيا وفرنسا. خط السير هذا يعد جزءًا واحدًا من طريق الحرير الجديد الذى تعمل الصين على إحيائه منذ عام 2013، إذ كانت القوافل فى الأزمان الغابرة تنقل الحرير والفضة والذهب والصوف وغيرها من شرق آسيا إلى أوروبا، فيما عرف قديمًا باسم (طريق الحرير).

المدهش أن جمارك «ييوو» وفرت أماكن خاصة لتمر الحاويات الحاملة البضائع عبر ماسح ضوئى يصور محتوياتها بالأشعة السينية قبل انطلاق الرحلة إلى خارج الصين، حتى لا يتم لمس البضائع مادامت الحاوية لا تحمل شيئا غير مسجل بالكشوف التى يقدمها التاجر إلى الجمارك. إنها وسيلة حديثة للحفاظ على السلعة المغلفة كما هى برونقها وشكلها الجميل.

حسنا... لماذا لا ننشئ فى مصر سوقا لبيع السلع الصغيرة كهذه؟ إننا نملك الأيدى العاملة الرخيصة بكثافة، كما أن بحوزتنا الكثير من المواد الخام التى يمكن استخدامها فى إنتاج تلك السلع، لكن ما ينقصنا صراحة يتمثل فى عدم وجود بيئة استثمارية مشجعة خالية من التعقيدات والبيروقراطية من جهة، كما أننا نفتقد مهارات التسويق الذكية الحديثة من جهة أخرى.

لذا أرجو أن توفد الحكومة بعثات إلى الصين لدراسة تجربة مدينة «ييوو» دراسة جادة تستلهم منها ما يناسب بيئتنا لنشرع فى تأسيس مشروعات صغيرة تنتج سلعًا مصرية متقنة الصنع تلبى احتياجات السوق العالمي، وما أكثر ما فى تاريخنا من كنوز أثرية يحق لنا الاستفادة منها فى تصميمات فاتنة مثيرة.

أجل... ما أحوجنا إلى الهمّة والخيال والجسارة.